[دعوة جميع الأنبياء والرسل إلى دين الإسلام]
لقد دعا كل الرسل والأنبياء إلى دين واحد، وهو دين الإسلام، وهذا هو البحث الذي سنفصله إن شاء الله فيما يلي: فنقول: منذ وجد الشرك والفساد والمعاصي في هذه الأرض، والأنبياء والرسل يدعون الناس جميعاً إلى عبادة الله وحده لا شريك له، ومع ذلك كانوا ينهون أيضاً عن كل صور الفساد في الأرض.
والحقيقة التي ينبغي أن نتنبه لها أيضاً هي أن هؤلاء الذين كانوا يتبعون الرسل، كانوا مؤمنين، فكل من اتبع الرسل في أي أمة من الأمم الخالية فإنهم مؤمنون.
وكذلك الأنبياء كانوا أول المؤمنين بلا شك، فنوح عليه السلام كان مؤمناً، وكان الذين اتبعوه من قومه مؤمنين، وكذلك إبراهيم عليه السلام أبو الأنبياء والمرسلين وخليل الرحمن كان مؤمناً، وكذلك إسماعيل عليه السلام كان مؤمناً مسلماً، وكذلك إسحاق ويعقوب وموسى، وكذلك كان الأنبياء من بعده إلى عيسى.
لقد كان الأنبياء عليهم السلام من نوح إلى بعثة عيسى عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام، هؤلاء أجمعون كانوا مؤمنين، وكان أتباعهم مؤمنين، حتى بعث الله تبارك وتعالى إلى البشرية كلها خاتمهم وسيدهم محمداً صلى الله عليه وسلم مؤمناً، وأتباعه مؤمنون، واليوم في عصرنا هذا يعرف الذين انتسبوا إلى موسى عليه السلام باليهود، وأحياناً يسمونهم الموسويين، ويعرف الذين انتسبوا إلى المسيح عليه السلام بالنصارى، ويسمونهم خطأً بالمسيحيين، ويعرف الذين آمنوا بمحمد صلى الله عليه وسلم بالمسلمين، وكل يؤمن أن دينه هو الدين المرضي عند الله تبارك وتعالى.
إذاً: فكلنا متفقون يهود ونصارى ومسلمون على أن آدم ونوحاً وجميع الأنبياء الذين أتوا بعد نوح عليه السلام إلى موسى كلهم أنبياء الله، وهؤلاء كلهم كانوا مؤمنين، ثم بعث الله تعالى عيسى عليه السلام أيضاً، فأتباعه مؤمنون، وعيسى كان مؤمناً، كذلك بعث الله محمداً صلى الله عليه وآله وسلم.
فكل دين من الأديان الثلاثة يقول: إن دينه هو الإيمان، وأن أتباعه هم المؤمنون، فلا يستطيع مسلم ولا يهودي ولا نصراني أن ينفي الإيمان عن نوح، ولا عن إبراهيم، ولا عن إسماعيل، ولا عن إسحاق، ولا عن يعقوب ولا عن غيرهم من الأنبياء قبل موسى عليه السلام، فالجميع متفقون على أن هؤلاء أنبياء الله، وأنهم كانوا على دين الحق، وأن من تبعوهم كانوا مؤمنين، وأنهم كانوا على الدين المرضي عند الله عز وجل، وفي نفس الوقت لا يستطيع أحد منهم أن ينسب إبراهيم عليه السلام أو نوحاً أو هوداً أو صالحاً أو شعيباً أو غيرهم من الأنبياء بأنهم كانوا يهوداً؛ لأن اليهودية لم توجد إلا بعد موسى عليه السلام، وكذلك لا نستطيع أن نقول: إنهم كانوا نصارى؛ لأن النصرانية إنما وُجدت بعدهم، فاليهودية والنصرانية لم تكن قد عرفت بعدُ في عهد أي واحد من هؤلاء الأنبياء قبل موسى عليه السلام.
وهنا سؤال يفرض نفسه وهو: ما هو الدين الذي آمن به الأنبياء من زمن آدم عليه السلام إلى آخر نبي بعث قبل موسى عليه السلام؟ ما هو دين هؤلاء الأنبياء الذين يتفق اليهود والنصارى والمسلمون على أنه دين الله، وعلى أنه هو الدين المقبول المرضي عند الله سبحانه وتعالى؟ فلم يرد في توراة اليهود ولا إنجيل النصارى الحاليين إثبات لاسم هذه الدين الذي آمن به هؤلاء الأنبياء ومن تبعهم، فكيف نستطيع معرفة هذا الدين؟
الجواب
السبيل إلى التعرف على هذا الدين هو التفكر في هذا الدين: ما حقيقته؟ وما مقاصده؟ فنحن نعلم أن الله سبحانه وتعالى لما أرسل هؤلاء الأنبياء إلى أممهم أرسلهم بعقيدة واحدة وهي توحيد الله عز وجل، وبشرائع يدعون الناس إليها فيها أوامر الله، وفيها نواهيه، فمن قبل هذا التوحيد وهذه الشرائع فهو المؤمن الذي آمن بالله ورسوله المبعوث إليه، ودان بالدين الذي يرتضيه الله عز وجل ويقبله، فهذا الدين هو توحيد الله، والانقياد لشرائع الله، والاستسلام لحكمه والخضوع لأمره ونهيه، والإخلاص له عز وجل في ذلك كله.