هذه أيضاً جملة من الأشعار في الاتعاظ بالموت وبالقبور يقول: قدم لنفسك ما استطعت من التقى إن المنية نازلة بك يا فتى أصبحت ذا فرح كأنك لا ترى أحباب قلبك في المقابر والبلى ويقول آخر: عجبت لمن يبكي على موت غيره دموعاً ولا يبكي على موته دماً وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيماً وفي عينيه عن عيبه عمى ووجد مكتوباً عن على قبر سيبويه أستاذ النحاة: ذهب الأحبة بعد طول تزاور ونأى المزار فأسلموك وأقشعوا تركوك أوحش ما تكون بقفرة لم يؤنسوك وكربة لم يدفعوا قضي القضاء وصرت صاحب حفرة عنك الأحبة أعرضوا وتصدعوا ويقول آخر: وقفت على الأحبة حين صدفة قبورهم كأفراط الرهان فلما أن بكيت وفاض دمعي رأت عيناي بينهم مكاني ويقول آخر: ستنقلك المنايا عن ديارك ويبدلك الردى داراً بدارك وتترك ما عنيت به زماناً وتنقل من غناك إلى افتقارك فدود القبر في عينيك يرعى وترعى عين غيرك في ديارك ويقول آخر: يا من سينأى عن بنيه كما نأى عنه أبوه مثل لنفسك قولهم جاء اليقين فوجهوه وتحللوا من ظلمه قبل الممات وحللوه ويقول آخر: لكل اجتماع من خليلين فرقة وكل الذي دون الفراق قليل وإن افتقادي واحداً بعد واحد دليل على ألا يدوم خليل ويقول آخر: إن كنت أعلم علماً يقيناً بأن جميع حياتي كساعه فلم لا أكون ضنيناً بها وأجعلها في صلاح وطاعه ويقول آخر: نموت وننسى غير أن ذنوبنا وإن نحن متنا لا تموت ولا تنسى ألا رب ذي عينين لا تنفعانه وهل تنفع العينان من قلبه أعمى ويقول آخر: نراع إذا الجنائز قابلتنا ويحزننا بكاء الباكيات كروعة ثلة لمغار سبع فلما غاب عادت راتعات أي: مثل ثلة من الناس أغار عليهم سبع فارتاعوا لذلك، فلما غاب عنها السبع عادت ترتع من جديد وتعبث وتلهو وكأن السبع لم يهددها.
ويقول آخر: أذان المرء حين الطفل يأتي وتأجيل الصلاة إلى الممات بيان أن محياه يسير كما بين الأذان إلى الصلاة يقول: إن الوقت بين ميلاده وموته وقت سريع وخاطف كالوقت بين الأذان والإقامة، وبيان ذلك أن الأذان يؤذن في أذنه حين يولد، أما صلاة الجنازة فتكون بعد خروج روحه، فحياة الإنسان شبيهة بالوقت الذي بين الأذان والصلاة.