إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
اللهم بارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: إن الله جل ذكره شرف أهل العلم الشرعي على غيرهم، فقال سبحانه وتعالى:{قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُوْلُوا الأَلْبَابِ}[الزمر:٩]، وقال سبحانه وتعالى مبيناً أنه يرفعهم درجات:{يَرْفَعِ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَالَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ دَرَجَاتٍ}[المجادلة:١١]، ولم يأمر الله عز وجل نبيه صلى الله عليه وسلم أن يسأله الزيادة في شيء إلا في العلم؛ لأن العلم فيه زيادة درجاته صلى الله عليه وسلم، ولذلك قال تعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤].
وبين الله عز وجل أن أشد الناس له خشية هم العلماء، فقال سبحانه:{إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}[فاطر:٢٨] ولا ريب أن الله سبحانه وتعالى لا يعني في أمثال هذه الآيات علماء الدنيا، كعلماء الحساب، أو الهندسة، أو الطب، أو الصناعة، أو الزراعة، أو غير ذلك؛ لأن أكثر هؤلاء لا يؤمن بالله سبحانه وتعالى فضلاً عن أن يخافه أو يتقيه.
وهؤلاء الذين فرحوا بما عندهم من العلم بظاهر الحياة الدنيا جعل الله علمهم كالجهل في قوله تبارك وتعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * يَعْلَمُونَ ظَاهِرًا مِنَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا}[الروم:٦ - ٧]، فأبدل من قوله:(لا يعلمون) قوله: (يعلمون)، فدل على أن هذا العلم ما دام متوقفاً على ظاهر الحياة الدنيا دون أن ينفذ إلى باطن ذلك مما في هذا العلم من آيات ودلائل توحيد الله عز وجل فهو جهل.
والله تبارك وتعالى وصف أهل الكفر والشرك بالضلال والجهل، حتى ولو كانوا على علم بعلوم الدنيا، فقال تبارك وتعالى:{وَقَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ لَوْلا يُكَلِّمُنَا اللَّهُ أَوْ تَأْتِينَا آيَةٌ}[البقرة:١١٨]، وقال أيضاً:{كَذَلِكَ قَالَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ مِثْلَ قَوْلِهِمْ}[البقرة:١١٣] بذلك إلى المشركين، وقال الله تعالى:{وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ}[الأعراف:١٨٧]، فوصف أكثر أهل الأرض بالجهل على ما كانوا عليه من العلم، وعمارة الدنيا، ومهارة في الصناعة والزراعة، ونحو ذلك.