[إرسال الرسل والنذر إلى جميع الأمم]
إن الله سبحانه وتعالى لم يترك أمة بلا نذير، فآدم عليه السلام هو أول البشر خلقه الله تبارك وتعالى من تراب من غير أب ولا أم، ثم خلق منه زوجه، وبث منهما رجالاً كثيراً ونساءً، وكانت بداية عيش هذا النوع في الجنة، ثم أهبط إلى الأرض، فعرف آدم ربه في السماء وتوجه إليه وأناب بعد أن أهبطه الله إلى الأرض، فتولى الله سبحانه وتعالى هذا النوع من خلقه بهداه، إذ لا صلاح له ولا بقاء في هذه الدنيا إلا باتباع هدى الله، كما قال عز وجل: {قُلْنَا اهْبِطُوا مِنْهَا جَمِيعًا فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنْ تَبِعَ هُدَايَ فَلا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلا هُمْ يَحْزَنُونَ} [البقرة:٣٨].
وقال تعالى: {قَالَ اهْبِطَا مِنْهَا جَمِيعًا بَعْضُكُمْ لِبَعْضٍ عَدُوٌّ فَإِمَّا يَأْتِيَنَّكُمْ مِنِّي هُدًى فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلا يَضِلُّ وَلا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى} [طه:١٢٣ - ١٢٤].
ومن المعروف أنّ الهدى يأتي دائماً في مقابلة الهوى، وأنّ الهوى يأتي في مقابلة الهدى أو الوحي، والأدلة على ذلك كثيرة جداً، كهذه الآية، ومنها أيضاً قوله تبارك وتعالى: {فَإِنْ لَمْ يَسْتَجِيبُوا لَكَ فَاعْلَمْ أَنَّمَا يَتَّبِعُونَ أَهْوَاءَهُمْ} [القصص:٥٠] يعني: فإن لم يستجيبوا لك في الوحي.
ومنها قوله تعالى: {وَمَا يَنْطِقُ عَنِ الْهَوَى * إِنْ هُوَ إِلَّا وَحْيٌ يُوحَى} [النجم:٣ - ٤].
وقوله: {يَا دَاوُدُ إِنَّا جَعَلْنَاكَ خَلِيفَةً فِي الأَرْضِ فَاحْكُمْ بَيْنَ النَّاسِ بِالْحَقِّ وَلا تَتَّبِعِ الْهَوَى} [ص:٢٦].
فالله سبحانه وتعالى لم يخلق الإنسان عبثاً، ولم يتركه سدىً، وإنما خلقه لحكمة وغاية، وامتحنه بالفعل والترك حين أوحى إلى رسله، يقول تعالى: {هَلْ أَتَى عَلَى الإِنسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ لَمْ يَكُنْ شَيْئًا مَذْكُورًا} [الإنسان:١]، يعني: فـ ((هَلْ)) هنا بمعنى: قد، {إِنَّا خَلَقْنَا الإِنسَانَ مِنْ نُطْفَةٍ أَمْشَاجٍ نَبْتَلِيهِ فَجَعَلْنَاهُ سَمِيعًا بَصِيرًا * إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا} [الإنسان:٢ - ٣].
ويقول تعالى: {أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لا تُرْجَعُونَ} [المؤمنون:١١٥].
ويقول تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ أَنْ يُتْرَكَ سُدًى} [القيامة:٣٦].
ويقول أيضاً: {إِنَّا جَعَلْنَا مَا عَلَى الأَرْضِ زِينَةً لَهَا لِنَبْلُوَهُمْ أَيُّهُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا} [الكهف:٧].
وقال: {الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ} [الملك:٢].
وقال سبحانه: {وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ} [الذاريات:٥٦]، يعني: لا يمكن أبداً أن يكون كل هذا الخلق سدى وعبثاً بلا حكمة، ولا أن الله غائب عن خلقه عياذاً بالله، بل الله شهيد على ما تعملون، فهو سبحانه وتعالى يرعى هذه البشرية، ونعمه تعم المؤمنين والكافرين.
فكما ذكرنا أنّ أول الخلق هو آدم عليه السلام، وأنه أول الذين اصطفاهم الله وخاطبهم بالوحي، وهو نبي مكلم كما جاء في الحديث.
وقال تبارك وتعالى: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلالَةُ} [النحل:٣٦].
إذاً: فكل أمة قامت عليها الحجة الرسالية، وأما أهل الفترة الذين لم يبلغهم الوحي فحالتهم استثنائية، لكن كل أمة بعث فيها رسول، فهذه نظرتنا المغايرة لضلال أصحاب نظرية التطور في العقيدة، فإنهم حينما يتعرضون لديانة قدماء المصريين مثلاً، يتصورون الأمر وكأنهم معذورون، أو كأنهم باحثون عن الحقيقة حتى وصلوا إليها بالفعل، وذلك لما وحدوا الآلهة الثلاثة، وأن أخناتون هو أول من اخترع التوحيد، وهذا كله دجل وهو يناقض عقيدة المسلمين، ولا يمكن أن يعتقد هذا مسلم.
أما نحن فنؤمن أن قدماء المصريين قد قامت عليهم الحجة الرسالية قطعاً، سواء كان ذلك بموسى أو بغيره من الأنبياء، فالله يقول: {وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٤]، ويقول: {وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا} [النحل:٣٦]، و (كُلِّ) صيغة عموم، وقال تعالى: {أَنِ اُعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ} [النحل:٣٦].
فكل أمة قامت عليها الحجة الرسالية، وآثار قدماء المصريين خصوصاً تكشف لنا اعتقادهم في كثير من الأمور الغيبية التي ما كانوا ليؤمنوا بها إلا عن طريق الوحي، كنصب الموازين يوم القيامة، وحشر الأجساد وغير ذلك مما تدل عليه النقوش التي تركوها، فتلك تدل على الرسالات الإلهية التي أرسلت إليهم.
ويقول تبارك وتعالى: {إِنَّا أَرْسَلْنَاكَ بِالْحَقِّ بَشِيرًا وَنَذِيرًا وَإِنْ مِنْ أُمَّةٍ إِلَّا خلا فِيهَا نَذِيرٌ} [فاطر:٢٤].
فالله سبحانه وتعالى منذ خلق الإنسان فقد تعاهده برعايته وعنايته، وشرع له الشرائع السماوية التي تدعوه إلى عبادة الله وحده، وترك عبادة ما سواه.
بل لما كانت بعض الأمم لا تناسبها شريعة النبي السابق فإنه يوحي إليها بشريعة جديدة؛ حتى تواكب ما تحتاجه، وكذلك إذا حصل فيها تحريف، فإنه يبعث رسولاً آخر يجدد لهم هذا الدين.
لقد تكفل الله سبحانه وتعالى بألّا يعذب أحداً إلا بعد أن تقوم عليه الحجة الرسالية، يقول تعالى: {مَنِ اهْتَدَى فَإِنَّمَا يَهْتَدِي لِنَفْسِهِ وَمَنْ ضَلَّ فَإِنَّمَا يَضِلُّ عَلَيْهَا وَلا تَزِرُ وَازِرَةٌ وِزْرَ أُخْرَى وَمَا كُنَّا مُعَذِّبِينَ حَتَّى نَبْعَثَ رَسُولًا} [الإسراء:١٥].
ويقول تعالى: {رُسُلًا مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ لِئَلَّا يَكُونَ لِلنَّاسِ عَلَى اللَّهِ حُجَّةٌ بَعْدَ الرُّسُلِ وَكَانَ اللَّهُ عَزِيزًا حَكِيمًا} [النساء:١٦٥].