ونود قبل الاستطراد في هذا الموضوع أن نبين أن هناك منزلقاً تربوياً يقع فيه كثير من الناس عند الكلام على موضوع المراهقين، لسبب فرط الكتابة والكلام حول هذا الموضوع، فالمجتمعات المعاصرة أعطت انطباعاً مغلوطاً عن الدلالة النفسية لكلمة المراهقة، هذا الانطباع جعل هذه المرحلة عند كثير من الناس مرتبطة بحكم أخلاقي عند عموم الناس وعند معظم المراهقين.
كلمة "مراهقة" عبارة عن حكم أخلاقي يحكم به على الشخص حتى صارت عند بعض الناس تعني الشطط في السلوك الخلقي والاجتماعي والديني؛ وكثيراً ما نجد المعلمين إذا أرادوا أن يعبروا عن عدم رضاهم عن سلوك فتىً من الفتيان يقولون: هذا مراهق، ويقصدون بذلك إعطاء هذا الانطباع عن جنوحه سلوكياً أو خلقياً أو دينياً.
واستعمال الكلمة في هذا السياق عبارة عن إصدار حكم أخلاقي عليه، وهذا الاستعمال ليس استعمالاً علمياً؛ لأنه لا يعطي المدلول الحقيقي لكلمة المراهق؛ فإن فترة المراهقة تبدأ من سن الثانية عشرة إلى سن العشرين تزيد أو تنقص سنة أو سنتين، وهي عبارة عن قنطرة للعبور عليها من الطفولة إلى الرشد، وهذه الفترة لها مميزات خاصة، وقد يكون لها مشاكل خاصة.
وإذا كانت الولادة هي تاريخ بداية الطفل فإن المراهقة هي نوع جديد من الميلاد، فهي ميلاد الرجولة عند الفتى، وتظهر خصائص هذا الميلاد في نموه في عدة مجالات، وفي التغييرات الجسمية والنفسية والانفعالية والاجتماعية والفكرية.
إذاً: كلمة المراهقة ليست سبة، وليست تعبيراً عن انحراف أو شذوذ في السلوك أو الخلق، بل هي عبارة عن مصطلح علمي يقصد به التعبير عن هذه المرحلة المتميزة بخصائص معينة كما ذكرنا.
إذاً: هي اصطلاح علمي يختص بفترة من العمر، وليست حكماً أخلاقياً على نوعية معينة من السلوك، فهذا أول ما ينبغي الالتفات إليه ونحن نناقش هذا الموضوع.
كثير من الآباء يتساءلون: من هو المراهق؟ ما هو عالمه؟ ما الذي يحدث للمراهقين ليحصل هذا التغير الملفت في هيئاتهم وتصرفاتهم وطبيعة علاقاتهم؟ ولماذا لا ينقاد المراهقون الانقياد التام المعتاد للكبار؟ لماذا تكثر الخلافات والمشكلات بين المراهقين والكبار؟ ما الأسباب الخفية وراء شيوع الانحراف وارتكاب الشذوذ في كثير من أفراد هذه الفئة في المجتمع؟ هذه الأسئلة وغيرها -كما أشرت من قبل- لا نقصد بها أساساً هذه الفئة من الذين يتواردون على المساجد، فإن هذه الفئة أقل الفئات من ناحية هذه الانحرافات أو المشاكل، وكلامنا موجه لكل من ينتمي إلى الإسلام فيشمل المقصرين والجانحين خلقياً أو سلوكياً من أبناء المسلمين، ما دام المراهق في دائرة الإسلام فهو يخصنا، ويهمنا أن ننقذه مما هو فيه.
ثم لا يمكن أن نجد أجوبة صحيحة على هذه الأسئلة كلها إلا إذا عرفنا من هو المراهق، وما خصائصه الجسدية والعقلية والانفعالية، ونموه الاجتماعي؟