للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[خصائص دعوة تحرير المرأة]

من خصائص دعوة تحرير المرأة أنها منذ نشأتها وهي تدور دائماً في فلك الاستعمار، فالعمالة صفة أساسية لأغلب دعاة تحرير المرأة، وقضايا الحجاب كلها اختلطت منذ البداية بعجلة الاستعمار، وهناك علاقة وثيقة تربط دعاة تحرير المرأة والقوى المعادية للإسلام وعلمائه ودعاته.

ومن خصائص هذه الدعوة: أن هؤلاء النسوة القائمات عليها لا يُعرفن بدين ولا بخلق ولا بمبدأ، ويُعرفن في الغالب بالعداء للإسلام، وهذا هو القاسم المشترك بينهن كما لاحظنا، والحال أن أعمى يقود بصيراً، فمن الذي يحرر الآخر؟! ومن هو الإنسان الذي يحررها؟ فهذه المتبرجة المحررة -أو هذه الأسيرة بالمعنى الصحيح- هي التي تحتاج إلى أن نحررها، فإن الإسلام هو الذي يحرر المرأة ويخرجها من هذه العبودية، أما أن المسلمة تقتدي بهؤلاء النسوة فهذا لا ينبغي، كما قال الشاعر: فأين من كانت الزهراء أسوتها ممن تقفت خطا حمالة الحطب ومن خصائص هذه الدعوة الخبيثة: أن موضوع تحرير المرأة انقلب فيه الميزان، حيث كانت علامة الفرق بين الحرة والأمة في عهد النبوة وفي عهد السلف أن الحرة تحتجب حجاباً كاملاً، وأن الأمة هي التي تكشف؛ وهذا يدل على أن الحجاب كان علامة على الحرية، وأما الآن فأصبح العهر والتبرج هو علامة الحرية في عرف هؤلاء القوم.

ومن خصائص هذه الدعوة أيضاً أنها تتبنى مبدأ القومية النسائية، حيث يحاولون أن يظهروا أن النساء كلهن على وجه الأرض حزب واحد، لهن قومية اسمها (قومية نسائية).

إن المرأة في كل مكان قضيتها واحدة، وهي الصراع ضد الرجل ومحاولة التحرر من سلطان الرجل، فكان دأب دعاة تحرير المرأة منذ البداية قضية تحرير المرأة فقط، ثم صارت هناك قومية خاصة اسمها (القومية النسائية) تربط المرأة المسلمة بالمرأة النصرانية واليهودية وعابدة الأصنام والأوثان والمشركة الملحدة، حتى رأينا من المتحررات من تفاخر بنساء الفراعنة عابدي الملوك والأحجار، وكأن قضيتهن واحدة ومطالبهن واحدة وأهدافهن واحدة ومعتقداتهن واحدة، وكلما تطابقت صورة المرأة مع المرأة الغربية زاد الإعجاب بها وتقريظها بأنها لا تفترق عن الأجنبية، حتى سقطت المرأة المسلمة فيما لم تسقط فيه عابدة البقر التي ظلت معتزة بزيها الخاص ومتميزة بالنقطة الحمراء بين عينيها.

وهناك دور شهير جداً بالنسبة لبعض النسوة المشهورات، مثل بنت النيل التي هي درية شقيق، فقد أنشأت حزباً اسمه (بنت النيل) وقد كانت في العمالة للإنكليز في غاية الصراحة، وكانت تحرض الإذاعة البريطانية، وتشتكي مصر لبريطانيا، وتذهب إلى الإذاعة وتعمل حملات على مصر، وهكذا، وهذا أيضاً من ملامح هذه الدعوة كما ذكرنا.

ولا شك أنه قد حصلت بشائر عظيمة جداً في السنوات الأخيرة، ولكن حصل مزيد انحطاط بفضل هذا المخلوق الذي قال: إنني كما أنا ضد الحجاب فأنا ضد عبدة الشيطان! فبفضل ما فعله هذا الإنسان أو هذا المخلوق حصل من جهوده وجهود أمثاله نوع من التراجع في ظاهرة الحجاب، ولا شك في ذلك، وهذه الظاهرة في غاية الخطورة، لكن نرجو أن تكون سحابة وتنقشع، ويكشف الله سبحانه وتعالى عن الأمة هذه الكربة.

يقول صحفي ألماني عاش فترة في مصر: لقد عشت في القاهرة كمراسل صحفي من سنة ست وخمسين إلى سنة إحدى وستين، ومنذ هذا التاريخ كانت طبيعة عملي وراء حضوري إلى المنطقة بين الحين والحين، وكنت أفضل دائماً الإقامة بجوار النيل، إن التغيير الهائل الذي طرأ على القاهرة عاصمة الملايين معروف للجميع، فقد انتقلت هذه المدينة الضخمة من الطابع الشرقي حيث كانت النساء يرتدين الأحجبة والرجال يرتدون الطربوش إلى عاصمة كبرى، ولم تعد الفتيات اللواتي يرتدين البنطلونات والملابس العصرية يلفتن نظر أحد أو يقابلن بدهشة واستغراب، وأصبحت العلاقة بين الجنسين علاقة سوية لا تتخللها رواسب الجاهلية التي استمرت فترات طويلة في الشرق، ويكفي أن تعلم أنه منذ عشرين عاماً فقط كان (٩٠%) من الرجال في القاهرة يرتدون الجلباب، وكانت كل النساء تقريباً يرتدين الحجاب، أما اليوم فإن القاعدة العامة هي البدل العصرية وعلى أحدث الموضة في الغرب، وبالنسبة للنساء فإنه حتى في أكثر المناطق شعبية لم نعد نرى الحجاب! فرح ذلك الصحفي الألماني، لكنها فرحة لم تتم، فقد فرح لأنه لم يبلغه رأي أخيه بلاكوت وزير المستعمرات الفرنسي في الجزائر، فقد حصلت قصة أثناء الاحتلال الفرنسي في ذكرى مرور مائة سنة على احتلال فرنسا للجزائر، حيث وقف الحاكم الفرنسي في الجزائر يقول: يجب أن نزيل القرآن العربي من وجودهم، ونقتلع اللسان العربي من ألسنتهم حتى ننتصر عليهم.

وقامت فرنسا من أجل القضاء على القرآن في نفوس شباب الجزائر بتجربة عملية، فتم انتقاء عشر فتيات مسلمات جزائريات، وأدخلتهن الحكومة الفرنسية في المدارس الفرنسية، ولقنتهن الثقافة الفرنسية، وعلمتهن اللغة الفرنسية، فأصبحن كالفرنسيات تماماً، وبعد أحد عشر عاماً من الجهود هيأت لهن حفلة تخرج رائعة، دعي إليها الوزراء والمفكرون والصحفيون، ولما ابتدأت الحفلة فوجئ الجميع بالفتيات الجزائريات يدخلن بلباسهن الإسلامي الجزائري فثارت ثائرة الصحف الفرنسية وتساءلت: ماذا فعلت فرنسا في الجزائر إذاً بعد مرور مائة وثمانية وعشرين عاماً من الاحتلال؟ أجاب بلاكوت وزير المستعمرات الفرنسي قائلاً: وماذا أصنع إذا كان القرآن أقوى من فرنسا؟! فسبحان الله! هم يكيدون كيداً والله يكيد كيداً، يمكرون والله خير الماكرين، فقوة الإسلام ليست في جهود أتباعه؛ لأن أتباعه مقصرون ومستضعفون أيضاً، بل قوته في أنه هو دين الله الحق، ولو أن ديناً آخر جوبه بعشر معشار ما واجهه الإسلام في خلال رحلته الطويلة خلال أربعة عشر قرناً لما بقي له ذكر، ولكان قد حرف كما حرفت أديان أخرى، ولقضي عليه واندثر كما اندثرت مذاهب أخرى، لكن الحافظ له هو الله سبحانه وتعالى، كما قال سبحانه: {إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ} [الحجر:٩]، فقوة الإسلام في الإسلام ذاته، حيث إنها قوة كامنة فيه، فتجد -مثلاً- الكلام على تعدد الزوجات والطعن في أحكام الإسلام وهذا الإلحاد الذي يقوله هؤلاء المنحلون، ومع ذلك لم يضروا الإسلام شيئاً.

وفي يوم من الأيام قالت أمينة السعيد: كيف نرجع إلى فقهاء أربعة ولدوا في عصر الظلام ولدينا الميثاق؟! أين هي الآن؟ فقد كانت تسخر من الحجاب، وتهاجم الإسلام، ثم مُسحت كل هذه الجهود وكل هذه الميزانيات، قال عز وجل: {فَسَيُنفِقُونَهَا ثُمَّ تَكُونُ عَلَيْهِمْ حَسْرَةً ثُمَّ يُغْلَبُونَ} [الأنفال:٣٦]، فقطعاً أن العاقبة للتقوى والعاقبة للمتقين.