[الفرق بين الأمية التربوية والأمية بالقراءة والكتابة]
هناك فرق شديد بين أمية القراءة والكتابة وبين أمية التربية؛ إذ أمية القراءة والكتابة من حيث آثارها أخف بكثير جداً من أمية التربية، أما أمية التربية فقد تخرج أجيالاً مشوهة نفسياً تعاني وتتعذب وتنحرف في كل مظاهر الحياة.
الأمية في القراءة والكتابة قد نجدها تتفشى في طائفة معينة من الناس، ولكن الأمية التربوية لا ترحم، فإنها قد تتفشى كالداء الوبيل، وقد نجدها في أعلى الناس من حيث المستوى العلمي، كأستاذ الجامعة، أو حتى خواص الناس وليس عوامهم، فهؤلاء بلا شك أعلى الناس من حيث تنزههم عن أمية القراءة والكتابة، ولكن مما يؤسف له: أن الأمية التربوية متفشية فيهم بصورة مؤلمة جداً على أعلى المستويات، بل على مستوى الوزراء وغيرهم من علية القوم، وهذه الظاهرة نلمسها في مناهج التعليم، أو وسائل الإعلام كل هذه تعكس وتشير إلى مدى الأمية التربوية؛ هذا مع حسن الظن بهم! الأمية بالقراءة والكتابة قد تكون ظاهرة، أما الأخرى فهي تتخفى، ثم تظهر لنا فيما بعد آثارها الخطيرة على الأبناء والأولاد، أي: يمكن أن يكون الرجل خبيراً وقائداً في التربية وهو رجل فقير لا يقرأ ولا يكتب، ومع ذلك تجد سلوكه مع أولاده سلوكاً راقياً مهذباً مستنيراً يخرج الأولاد الأصحاء، وقد يكون رجلاً على النقيض من ذلك، ومع ذلك يكون غارقاً في الأمية التربوية.
إذاً: ليس المقصود من محاضرتنا هذه محو الأمية التربوية كما هو العنوان، ولكنه تحت عنوان مضمر: أهمية محو الأموية التربوية؛ فإن المحو لهذه الأمية يحتاج زمناً طويلاً وجهوداً مكثفة، والمقصود هو أن ننقل هذه القضية إلى دائرة الاهتمام ليسلط الضوء عليها، ونعطيها القدر الذي تستحقه.