إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم صل على محمد وأزواجه أمهات المؤمنين، وذريته وأهل بيته، كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فقد شرعنا في بحث ظاهرة التمادي في علاج الجن، ويمكن أن يتلخص حديثنا في النقاط الآتية: - أن الاشتغال بموضوع الجن ومعالجة الجن هو مرض من أمراض الفراغ التي صادفت خواء عند بعض الشباب، فخاضوا فيه بهذه الصورة الملحوظة.
- أن هذا المرض انتقل من الأوساط النسائية الفارغة التي كانت تحتكر التخصص في الكلام في هذا الأمر إلى مجتمعات الرجال، بل إلى مجتمعات الدعاة والمشتغلين بالدعوة، ونحن لا نعمم هذه السلبيات، والمقصود هو ذم من يتلبس بشيء من هذه المسالك.
- لا خلاف في مشروعية التداوي بناء على قول النبي صلى الله عليه وسلم:(لكل داء دواء) وما فيه من العموم.
- حيرة المريض بين جفاء طبيبه وغلو شيخه، فالطبيب الذي يتأثر بالمناهج الغربية المادية في التعامل مع هذه القضايا ينكر أموراً هي من صلب الدين ومن صلب العقيدة، كالإيمان بوجود الجن، وغير ذلك من السحر أو الحسد التي ثبتت حقيقتها بأدلة قطعية في القرآن والسنة، فما بين جفاء الطبيب، وغلو الشيخ أو المعالج يحتار المريض بين الفريقين.
- من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا حفظ النفس وصيانتها، والشرع المطهر لم يدع صحة وعافية وجوارح الناس عبثاً بأيدي العابثين، فهم يخوضون بهم في بحار من الأوهام والغموض والمجهول الذي لا يمسك بزمام ولا بخطام، وإنما هو غموض في غموض في غموض، فلا نملك أدلة قطعية على التشخيص بأنها حالة مس جني، ولا نملك أدلة تثبت هذه المسالك التي أدخلت على أساليب العلاج الذي يذهبون إليه، ثم نرى -مع كل هذا الغموض وكل هذا المجهول- من يتجاسر على أن ينتهك حرمات الله سبحانه وتعالى ويعتدى على الأنفس بالتعذيب، والإنهاك، التعذيب البدني بالضرب وبالصعق بالكهرباء أحياناً، وبغير ذلك من هذه الأشياء الوحشية التي فيها مصادمة لحرمة الإنسان المسلم عند الله سبحانه وتعالى وفي شريعته.
أخيراً: نحن ننكر على الذين يعذبون الناس في السجون والمعتقلات، ونتلو عليهم الآيات والأحاديث التي ترهب من هذا الفعل، وتنذر بشؤم العاقبة، لكننا نغض الطرف إذا سمعنا أن أخاً من هؤلاء المعالجين قد أنهك رجلاً أو امرأة أو صبياً بالضرب وقد يصل الأمر إلى إزهاق روحه؛ بحجة العلاج، فأي علاج هذا؟ ما الذي أدراك أنه جني؟ لابد من ضبط هذا الأمر بضوابط واضحة وقاطعة، قبل أن تستحل العدوان على الناس بالضرب، وإلا كنت واقعاً تحت طائلة التعزير الشرعي، أو الحد إذا جنيت جناية تستوجب الحد، فالأمر ليس فوضى، والعدوان على أرواح الناس وصحة الناس وأبدانهم لا يجوز، والذي وصل في بعض الحالات إلى القتل، فهذا إجرام وانحراف وعدوان على حرمات المسلمين، وليس علاجاً.