للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[منهج أهل السنة في الأحاديث التي تخبر عن أحداث آخر الزمان]

السؤال

هناك بعض الأحاديث التي فيها خروج المهدي وفتح المسلمين للقسطنطينية ورومية، وهكذا بعض أحاديث فيها أنه يكون في آخر الزمان استعمال السيوف والخيل ونحو هذه الأشياء، فهل يعني ذلك أن هناك مصيراً آخر للحضارة المادية الموجودة الآن؟

الجواب

على أي الأحوال منهج أهل السنة والجماعة في التعامل مع الأحاديث التي تخبر عن أحداث سوف تقع في آخر الزمان هو التصديق بها، والإمساك عن تأويلها وتفسيرها، ولنترك الواقع نفسه هو الذي يفسرها، فنحن لن نسأل عن مثل هذا، والخوض فيه خوض فيما لا يعني؛ لأن هذا غيب، والمطلوب منا أن نصدق به فقط، وأما كيف يقع؟ فنحن غير مسئولين عن تكلف إيجاده وإيقاعه، ولن نسأل عن أكثر من التصديق به، والتسليم له، ثم العمل بما أمرنا به النبي صلى الله عليه وسلم إذا وقع شيء من هذه الأحاديث، فإذا كان هناك نص على أن هناك سلوكاً معيناً نلتزمه في هذه الأحداث فلنلتزم، كما أمرنا، مثل: أن نعتصم بالعشر الآيات الأول من سورة الكهف إذا أدركنا الدجال.

كذلك المهدي إذا توفرت الشروط أو العلامات التي تنبأ بها النبي صلى الله عليه وسلم في حق المهدي، ووقعت هذه الأحداث التي تنبأ بها، حينئذٍ نقطع أنه هو المهدي عليه السلام، ثم إن من المناسب في هذا المقام التحذير من مفهوم نلاحظه أحياناً عند كثير من الناس، وهو أنهم حينما يدهشون بمستوى القوة المادية التي بلغها الكفار في هذا الزمان، يصل بهم الأمر إلى حالة من اليأس، فيترجم هذا اليأس مثل هذا التفكير الذي نسمعه، فحينما تتلى على الناس آيات التبشير بالنصر والإعزاز للإسلام فأمام هذا الانهزام أمام هذه الحضارة المادية فإنهم ييأسون ويعبرون عن هذه الأشياء بطريقة غير مباشرة، فيذهبون إلى أن انتصار الإسلام لن يكون إلا بطريق معين، وهو إمّا نزول خوارق من السماء تخرق السنن، وتؤيد المؤمنين بمجرد أنهم مؤمنون، أو أنه لا بد أن تحصل حرب عالمية تدمر كل هذه القوى الموجودة على الأرض، ليسلم من ذلك فقط المسلمون، وتعود البشرية سيرتها الأولى بالأخشاب والسيوف، والحجارة والخيول، والوسائل القديمة، فهذا في الحقيقة هروب من مواجهة الواقع، فينبغي أن نفكر في الواقع الذي نعيشه، وهؤلاء الكفار ليسوا معجزين في الأرض، فإنهم لم يسلكوا مسلك الخوارق، بل سخروا السنن التي خلقها الله عز وجل، واحترموا السنن الكونية، فالأرض إذا زرعها وحرثها ورعاها الكافر -يهودي أو نصراني أو حتى ملحد- لا تقول له الأرض: أنت كافر ولن أزرع لك.

وإذا كان صاحبها مسلماً فلن تزرع بدون تنقيتها من الحشائش وتغذيتها وري الزرع وتعاهده، فلن تميل إلى المسلم لأنه مسلم فتجامله، أو تقول للكافر: أنت كافر، لن أخرج لك ما فيّ من خيرات، كلا! فسنة الله أن من احترم السنن طاوعته هذه السنن، وهذه السنن الكونية لابد من احترامها، وأيضاً هناك سنن شرعية لابد من احترامها، فليس من احترام هذه السنن التعلق بأن تنزل معجزات تخرق العالم، فسنة الله جاءت في نصرة هذا الدين بالأسباب، مع أن الله قادر على أن يكون هو الذي يقول للشيء: كن فيكون، لكن لم يحصل هذا حتى مع الأنبياء، فالأنبياء عليهم السلام شُرّدوا طردوا أخرجوا عذبوا منهم من قتل جاهدوا في سبيل الله بذلوا هم وأتباعهم النفس والنفيس، وأخذوا بكل أسباب القوة، ولم يعوّلوا فقط على نزول الملائكة من السماء كمدد، ولم يعولوا على أن تنزل صاعقة على جيوش الروم والفرس فينتصر المسلمون!! فهذا التفكير ينبغي أن نزيله من عقولنا، وأن نواجه الحقيقة والواقع، ونحترم هذه السنن.

هذا خباب بن الأرت رضي الله عنه يقول: (أتينا رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو متوسد بردة له في ظل الكعبة، وقد لقينا من المشركين شدة، فقلنا: يا رسول الله! ألا تدع لنا؟! ألا تستنصر لنا؟! فقال عليه الصلاة والسلام: لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل) الحديث.

إذاً: هذه سنة ماضية، ولابد من البلاء، كما قال الإمام الشافعي لما سُئل: يا أبا عبد الله أيهما أفضل للرجل أن يُمكّن أو يُبتلى؟ قال: لا تمكن حتى تبتلى.

فهذه سنة وقانون من قوانين الدعوة: أنه لابد من البلاء.

هذا أمر.

الأمر الثاني: لما سألوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يدعو لهم ويستنصر لهم عدل عن الدعاء لهم بتسليتهم بسنة الله في الذين خلو من قبل، فقال: (لقد كان من قبلكم يؤتى بالرجل فيحفر له حفرة في الأرض، ثم يوضع فيها، ثم يوضع المنشار على رأسه، ثم يشق نصفين، ويمشط بأمشاط الحديد ما دون لحمه وعظمه، ما يرده ذلك عن دينه، والذي نفسي بيده! ليتمَّنَّ الله هذا الأمر حتى يسير الراكب من صنعاء إلى حضرموت لا يخاف إلا الله والذئب على غنمه، ولكنكم تستعجلون) أي: تستعجلون السنن الكونية التي لابد من احترامها.

فحرص النية وحده لا يكفي، مثلاً: أن يختم الإنسان القرآن كله هذا من أعظم الأعمال الصالحة، لكن جرت السنة أن الإنسان لا يستطيع أن يختم القرآن إلا في عدد معين من الساعات، فإذا أردت أن تختم القرآن كله فلا يمكن أن تختمه في ساعة واحدة -ستين دقيقة- مهما أسرعت في القراءة؛ فقد جرت السنة أنه بمعدل وقت معين من الساعات يختم فيه القرآن الكريم.

ومثلاً: جرت سنة الله عز وجل أن الجنين لا يصلح لأن يواجه الحياة إذا لم يمكث -على الأقل- سبعة أشهر أو تسعة أشهر في بطن أمه؛ فالأصل أنه إذا خرج مبكراً إلى الحياة فإنه لا يصمد أمام الحياة الخارجية؛ لأنه لم يكن قد تم اكتماله بعد، فبالتالي لا يعيش ولا يبقى.

فهذه سنن الله عز وجل، ولابد للإنسان أن يحترم هذه السنن.