له آداب منها: أولاً: أن بعض الناس لا يبيع إلا بالتقسيط، فكل البضاعة التي عنده لا يبيعها إلا بالتقسيط، ولا يخير المشتري بين البيع الآجل والبيع العاجل، والعلماء حينما ناقشوا مسألة بيع العينة وصوره ذكروا أن للعينة صوراً منها: أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا نسيئة، وقد نص الإمام أحمد على كراهية ذلك، فقال: العينة أن يكون عنده المتاع فلا يبيعه إلا بنسيئة، فإن باع بنسيئة ونقد فلا بأس، أي: أن المكروه هو أن يقتصر فقط على البيع بالنسيئة، وأما إذا باع بنسيئة وبنقد ففي هذه الحالة يقول الإمام أحمد: لا بأس بذلك.
وقال أيضاً: أكره للرجل ألّا يكون له تجارة غير العينة، فلا يبيع بنقد، أي: أنه يمتنع عن البيع بالنقد، ويكون كل بيعه بالأجل.
وقد علل ابن تيمية رحمه الله تعالى ذلك بأنه يدخل في بيع المضطر، فإن غالب من يشتري بنسيئة إنما يكون لتعذر النقد عليه.
ومعنى كلامه: أن أغلب الناس الذين يشترون إلى أجل مع ارتفاع السعر، إنما يلجئون إلى هذا النوع لأنهم لا يستطيعون أن يسددوا ذلك المال نقداً.
يقول: فإذا كان الرجل لا يبيع إلا بنسيئة كان ربحه على أهل الضرورة والحاجة -وكأنه يستغل حاجة هؤلاء الناس- وإذا باع بنقد ونسيئة كان تاجراً من التجار.
لكن إذا كان التاجر يقصد من البيع بالنسيئة بيع العينة أو بيع الآجال فهذا نوع من الحيل الربوية، ولا شك في كراهية هذا، بل هو حرام ديناً وقضاءً، لكن إذا كان التاجر يبيع بالأجل دون أن يتخذ هذا ذريعة إلى بيوع الآجال أو بيوع العينة، فهذا مباح؛ حتى ولو لم يبع إلا بالأجل والتقسيط؛ لأن بيع الأجل جائز وبيع العينة حرام كما سنبين إن شاء الله تعالى.
فأفضل أحوال البائع أنه يبيع للناس -إذا كان إلى أجل- بنفس سعر الحال، وهذا يدخل تحت قول النبي عليه الصلاة والسلام:(رحم الله عبداً سمحاً إذا باع، سمحاً إذا اشترى، سمحاً إذا اقتضى) رواه البخاري.
وقال عليه الصلاة والسلام أيضاً:(من كان هيناً ليناً قريباً من الناس حرمه الله على النار).
إذاً: من أراد أن ينال هذا الثواب العظيم، فليبع بالتقسيط وبسعر النقد؛ حتى لا يستثمر حاجة الناس، فهذه هي أكمل الأحوال، وفي نفس الوقت فنحن نحرض المشتري على أنه لا يستدين، وأن يحرص على أن يشتري بنقداً، ولا يشغل ذمته بهذه الحقوق وهذه الأموال.