الحمد لله رب العالمين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء والمرسلين، وعلى آله وصحبه أجمعين، وبعد: فيذكر المؤلف تمهيداً في أهمية الألفاظ الشرعية والمصطلحات الإسلامية، وينبه إلى أن العلم بحقائق الأشياء والوعي بمفاهيمها لابد من أن يكون أساساً لتضييق دائرة الخلاف أو لإزالته؛ لأنك لا تكاد تجد خلافاً في أي مسألة من المسائل إلا ومن ورائه اختلاف أو سوء فهم بحقيقة الأمر المختلف فيه، قد يكون الطرفان متفقين، ولكن قد يوجد سوء فهم لبعض المصطلحات التي قد تغطي على الحقيقة.
يقول شيخ الإسلام ابن تيمية: إن كثيراً من نزاع الناس سببه ألفاظ مجملة مبتدعة ومعان مشتبهة، حتى تجد رجلين يتخاصمان ويتعاديان على إطلاق ألفاظ أو نفيها، ولو سئل كل منهما عن معنى ما قاله لم يتصوره، فضلاً عن أن يعرف دليله.
فحكم الإنسان على أي شيء أو على أي مبدأ راجع إلى التصور الموجود في ذهنه، لذلك فعلماء المنطق عبروا عن هذا بعبارة صحيحة، وهو قولهم: الحكم على الشيء فرع عن تصوره.
فإذا تصورت الشيء على خلاف ما هو عليه في الحقيقة سيختلف حكمك عليه.
مثلاً: كلمة التصوف، يمكن أن نجد من الناس من يتكلم في التصوف فيقول: هؤلاء ملاحدة وزنادقة ومشركون وخارجون من الملة إلى آخر ذلك، وكذلك عن حكم دراسة التصوف.
بينما آخر تجده يمدح التصوف ويذكر محاسنه، وأن أهله أهل دين، وأنهم أولياء الله، وغير ذلك من ألفاظ المديح، لكن إذا دققت ما الذي يقصده هذا الذي عمم في الجانبين ستجد أن من مدح التصوف إنما نظر لما في تصوره وفي ذهنه من أن التصوف هو ذكر الله والاجتهاد في طاعة الله، والتورع عن المحرمات، والاهتمام برياضة النفس وتهذيب القلوب وتزكيتها إلى آخره، وقد لا يخطر بباله على الإطلاق تلك المعاني الإلحادية التي انحرف بها بعض غلاة التصوف.
أما الشخص الذي يصف أهل التصوف ويعمم بأنهم ملاحدة وزنادقة وحلوليون، إنما نظر إلى المتطرفين جداً من الصوفية، خاصة في العقيدة، كـ ابن عربي أو غيره ممن ألحدوا في ذات الله تبارك وتعالى وقالوا بالحلول وبوحدة الوجود أو غير ذلك من العقائد الشركية التي تخرج فاعلها أو ناطقها من الملة.
فإذاً: على الإنسان قبل أن يتكلم في قضية أو في مصطلح معين أن يبين ما الذي يقصده من هذا الذي يذمه أو يمدحه.