وذكر الخطيب أنه كان لـ بشر الحافي -الزاهد المشهور- أخوات ثلاث: مخة ومضغة وزبدة، وكلهن عابدات زاهدات ورعات مثله أيضاً، فذهبت إحداهن إلى الإمام أحمد بن حنبل فقالت: إني ربما طفئ السراج وأنا أغزل على ضوء القمر، فهل علي عند البيع أن أميز هذا من هذا؟ فقال: إن كان بينهما فرق فميزي للمشتري.
وقالت له مرة إحداهن: ربما تمر بنا مشاعل لـ ابن طاهر في الليل ونحن نغزل، فنغزل الطاق والطاقين والطاقات فخلصني من ذلك، فأمرها أن تتصدق بذلك الغزل كله لما اشتبه عليها من معرفة ذلك المقدار، وهو المقدار الذي كانت تغزله في ضوء مشاعل هؤلاء الذين كانوا يمرون بالليل بالمشاعل، وفي بعض الروايات أنه قال لها: من أنت عافاك الله؟ فقالت: أخت بشر الحافي، فبكى الإمام أحمد رحمه الله وقال: من بيتكم يخرج الورع الصادق، لا تغزلي في شعاعها.
وسألته أيضاً عن أنين المريض في إحدى المرات، أفيه شكوى؟ فقال: لا، إنما هي شكوى إلى الله عز وجل، ثم خرجت فقال لابنه عبد الله: يا بني! اذهب خلفها فاعلم لي من هذه المرأة، قال عبد الله: فذهبت وراءها فإذا هي قد دخلت دار بشر، وإذا هي أخته مخة.