وهناك بعض العوائق تعيق العمل بالسنة كعدم الاحتجاج بأحاديث الآحاد في العقيدة، أو تقديم القياس على أحاديث الآحاد الصحيحة، أو تقديم عمل أهل المدينة على حديث الآحاد الصحيح، أو التعبد بالتقييد واتخاذه ديناً، أو تحكيم العقل وتقديمه على النقل، أو الاقتصار على الصحيحين، وهناك أيضاً مظهر من مظاهر الانحراف في هذه القضية، وهو ما حصل من بعض الشيوخ الأفاضل، وهو الشيخ عبد العزيز بن راتب النجدي رحمه الله تعالى، وله فضل كبير جداً على علماء أنصار السنة، فهو أستاذهم وشيخهم، وهو من الذين رحلوا إلى مصر خصيصاً من أجل نشر دعوة التوحيد والاتباع، لكن كان في هذه الجزئية بالذات له كتاب: تيسير الوحيين بالاقتصار على القرآن مع الصحيحين، وانتصر لهذه المسألة، والكلام فيه نظر شديد، لأن فيه قصر العمل على ما في الصحيحين من السنة، وهذا الكلام غير صحيح.
كذلك من هذه البدع والضلالات: بدعة التصحيح على الصحيحين، يأتي شخص فقير في طلب العلم فيقول في آخر هذا الزمان العجيب: رواه البخاري وهو صحيح، وكأن هذه الأجيال من الأمة تنتظره حتى يأتي ليصحح على البخاري، ونحن لا نقول: البخاري معصوم، ولكن نقول: الأمة معصومة من أن تجتمع على ضلالة، فالأمة أجمعت على تلقي أحاديث الصحيحين بالقبول، فهذه هي الحجة في هذه المسألة، وتوجد بعض أحاديث انتقدت، والعلماء الذين انتقدوها كـ الدارقطني وغيره ما أرادوا للبخاري ولـ مسلم إلا الكمال، لكن الآن فتح باب النقد في البخاري وفي مسلم لأجل الطعن في السنة كلها، فشتان بين النيات والمقاصد، فيمكن أن يقبل قول بعض المحققين مثلاً، لكن شرطه أن يتقن علم الحديث ثم يحقق، لكن أن يأتي شخص ويقول: رواه البخاري وهو صحيح، فهذا من التطاول الذي لا ينبغي أن يفتح بابه.
فنحن نثق ثقة مطلقة فيما اتفقت عليه كلمة علماء الأمة، وأن ما رواه الشيخان أو رواه أحدهما قد تجاوز القنطرة، فلا يسأل عنه ولا يبحث عن سنده ولا عن رجاله، فإما أن يقول: صحيح متفق عليه أو يقول: رواه الشيخان فحسب.
أما أن يقول: رواه الشيخان وهو صحيح، فهذا من العدوان، فالعدوان ناشئ عن سدور صاحبه وغفلته عن أهل العلم، وإعراضه عن إجماع الأمة، وكأن نفسه تتوق إلى أن تكون فوق البخاري ومسلم وأن يحكم على البخاري ومسلم وأمثالهما.