لقد فاقت جاذبية التلفزيون كل حد حتى أضحت إدماناً استسلمت له طوائف كثيرة من الناس، ودخل التلفزيون إلى المصنع والمتجر وأكشاك السجائر والمرطبات، ورافق المسافرين في مركباتهم، والمتنزهين في نزهاتهم، حتى أصبح الرفيق الدائم الذي لا يمل، والسمير المستعلي الذي لا ينفك عن اللهو وترهات القول، حتى الطعام يتناوله الناس وهم يشاهدونه، وهذا يشعر إلى أي مدى تعلق الناس به، حتى إنهم في المحلات التجارية لا يتصورون العيش بدونه، وبلغت الفتنة به إلى أنهم بعدما كانوا في السابق يأتون بجهاز واحد في البيت أصبحوا بعد ذلك يأتون بجهازين أحدهما يستعمل والثاني احتياطي، فإذا تعطل الجهاز الأول لا يطيقون أن يعيشوا بدونه كأنه هواء يتنفسونه، فلابد من وجود جهاز آخر.
ثم تطور الأمر بعد ذلك إلى أن حدثت موضة جديدة، وهي أن يكون هناك مراعاة للذوق والآداب والحياء والقيم، وحتى لا يجلس الأولاد مع الأبوين وهما يشاهدان المناظر الخليعة، فكيف حلت المشكلة؟ أن يشتري الأب تلفزيوناً خاصاً ويضعه في غرفة النوم، ويضع تلفزيوناً آخر في غرفة الأولاد، هذه هي المروءة والشهامة والغيرة، كيف يجلسان معاً وينظران إلى هذه الأشياء؟ وهذا يذكرنا بذلك الممثل الفاسق الذي كانت زوجته تمثل دوراً من الأدوار القذرة الإجرامية مع أحد الممثلين، فالشهامة والغيرة والرجولة والنخوة اقتضت منه أنه يرفض أن يتم تسجيل هذه المشاهد في وجود أي شخص في داخل الأستوديو، فأمر بإخراج كل من في الأستوديو حتى لا يروا زوجته وهي تمثل هذه المشاهد.
انظر كيف انتكست قلوبهم، وصارت عقولهم هباءً كأن لم تكن؟ أين النخوة؟ أين الشهامة؟ ربما جعلتك الشهامة تطرد خمسة أو ستة من الموجودين في الأستوديو حتى لا يروا زوجتك بهذه الحالة المزرية، وماذا عن الرجل الذي كان يصورها؟ ماذا عن الملايين من الناس الذين سيطالعون هذه الأشياء؟ ويقضى على المرء في أيام محنته حتى يرى حسناً ما ليس بالحسن ما كاد هذا الجهاز يدخل بيتاً حتى شرعت كل البيوت لاحتضانه حتى البيوت الفقيرة المعدمة التي ربما يعوزها القوت اليومي، يقتطعون من قوتهم ليأتوا بهذه الأجهزة، ودخل هذا الخبيث وترفع في أزهى وأفضل مكان في صدر الدار بلا مقدمات، وانتشر في بيوت المسلمين انتشار النار في الهشيم.