للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[وقفات مع التداعي العالمي تجاه الحادثة وقضايا المسلمين]

ومن الشبهات كلامهم على قضية المصالح والمفاسد، وهذه المسألة هي الشيء الوحيد الذي يمكن أن يقبل الكلام فيه، أما القول بأن الإسلام لا يحرم التماثيل وأن المسلمين أقروا ذلك فكل هذا دجل في دجل، لكن كون الدعوة تقتضي أن نتمهل وأن ننتظر، ويستدلون بقوله تعالى: {وَلا تَسُبُّوا الَّذِينَ يَدْعُونَ مِنْ دُونِ اللَّهِ فَيَسُبُّوا اللَّهَ عَدْوًا بِغَيْرِ عِلْمٍ} [الأنعام:١٠٨] فهذه عملية اجتهاد في المصالح والمفاسد، هذه وهي المنطقة المباحة فقط.

أما أنهم يحاولون أن يغيروا عقيدة المسلمين تجاه الأصنام فهذا عدوان سافر على الشريعة، ونحن لا نريد الموضوع أن يتحول من تحطيم الأصنام إلى تحطيم الشيوخ والعلماء؛ لأن أعداء الإسلام حين يستدرجون العلماء أو يخدعونهم في مثل هذه المواقف إنما هم في كل حالة يكسبون الموقف، فهم يعرفون أن هذه المسائل يمكن أن تهبط هبوطاً حاداً بشعبية الداعية أو العالم المؤثر، فهم في الحالتين كاسبون، فلو حطموا العالم كسبوا، ولو أن العالم ساعد على الحفاظ على الأصنام لكسبوا أيضاً.

فنحن لابد لنا من حسن الظن بالشيوخ، وحسن الظن يقتضي اعتبار الإعلان وسيلة غير آمنة في نقل وجهات نظر الشيوخ، وكم دلس الإعلام على الشيوخ، فالأصل هو حرمة الشيوخ والدعاة واحترامهم، إلا الذي نسمعه بأنفسنا يتكلم دون أن يكون هناك أحد يهدده أو يضغط عليه ويتبرع بتلوين الكلام، وهؤلاء غالباً ليسوا شخصيات رسمية، وإنما هم متطفلون على العلم.

فالشاهد أن العلماء يجب حسن الظن بهم، والتأكد من صحة نسبة الكلام إلى أحدهم.

وهنا أمثل بمثال: فـ القرضاوي تكلم ووضح موقفه وقال: لماذا تفترون علي؟ وقال: لقد ذهبت وكان وكان.

أعلن أن تسعين في المائة حطمت فعلاً من حجم التمثالين، فقال: أنا سأذهب لكي أتناصح مع الإخوة لحل مشاكل إخواننا الأفغان ومعاناة الفقر وكذا وكذا.

إلى آخر هذه الأشياء.

فهذا ما قاله، وهو أنه يعرف أنه غير معقول أن يذهب ليدافع عن أصنام.

فلسنا مع بعض الشباب الذين أطلقوا ألسنتهم بكلام بشع جداً ما كان ينبغي أن يقال.

وعلى أي الأحوال فنحن نفرق بين الحكم والفتوى، فالحكم حكم الشرع الذي يؤخذ من نصوص الكتاب والسنة، والفتوى تطبيق الحكم على الواقع.

مثلاً: عندما نسأل عن أكل الميتة نقول: ما حكم أكل الميتة؟

و

الجواب

حرام.

لكن عندما نسأل عن حالات معينة، كما لو أن الجائع لم يأكل من الميتة فسوف يموت فإنا نقول له: {إِلَّا مَا اضْطُرِرْتُمْ إِلَيْهِ} [الأنعام:١١٩]، فهذه حالة ضرورة، فهنا لا نقول له: مباح أن تأكل بل نقول له: واجب عليك أن تأكل من الميتة.

فانتقل الأمر من حرام إلى واجب لحفظ حياته.

فالشاهد أن هذا من مرونة الشريعة، وأن قاعدة الشريعة أن التكليف منوط بالاستطاعة، قال تعالى: {لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا} [البقرة:٢٨٦]، والمسلمون تطرأ عليهم حالات معينة يصعب وضعهم فيها، وقد كان الرسول عليه الصلاة والسلام يمر بالصحابة وهم يعذبون في مكة فيقول لهم: (صبراً آل ياسر؛ فإن موعدكم الجنة)، وهو رسول الله المؤيد بالوحي، فما استطاع أن ينقذ هؤلاء المستضعفين، بل هو نفسه صلى الله عليه وسلم بقي في مكة والأصنام حول الكعبة، وبقيت إلى تأريخ مكة.

فإذاً هناك فرق بين الحكم الشرعي الذي تكلمنا عنه، والفتوى هي التطبيق لهذا الحكم على الواقع، فالكلام على المصلحة الدينية هو القنطرة الوحيدة التي يمكن أن نلتقي فيها مع هؤلاء القوم.

وبعض المتكلمين -وهو غير باحث- قال: إننا بهذا العمل فتحنا باباً لمفسدة عظيمة، فهو نظر إلى المفاسد في زعمه، ونحن نقول: مادام أنه يتكلم على مصالح ومفاسد فلا بد من أن نتأكد من المصالح ونعطي كل شيء حجمه حين نتكلم على المفاسد والمصالح، فهذه المنطقة هي الوحيدة المباح لنا فيها أن نتكلم، ما دام الكلام فيها عن المصلحة الشرعية ودرء المفاسد وسد الذريعة لئلا ينال المسلمين نفس الضرر؛ فليس من مصلحة المسلمين الدخول في أمر يعود بمنكر أكبر، ففي بعض الأماكن أو بعض البلاد لو هدم أحد صنماً فإنه سيبنى أحسن منه وأكبر منه، فالنظر في عواقب الأمور، ووزن الأمور بميزان الشرع، راجع لأهل العلم الذين يحسنون ضبط الأمور.