[التحذير من قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى]
إن حديثنا سيكون حول توعية المسلمين بأخطر قاطع طريق، وهو الذي يقطع الطريق على المسلمين الذين يتوبون إلى الله عز وجل ويريدون أن يرحلوا إلى سعادة الدنيا وسعادة الآخرة ويهاجروا إلى الله ورسوله.
ونحن حينما نجتهد في أن نبين حكم الشرع في مثل هذه الفتن المتلاطمة وهذه القضايا الخطيرة، وحينما نقدم على حكم الشرع الشريف فإننا على ثقة وعلم أنه يريد بنا الخير ويريد رحمتنا، مصداقاً لقوله تعالى: {لَقَدْ جَاءَكُمْ رَسُولٌ مِنْ أَنفُسِكُمْ عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُمْ بِالْمُؤْمِنِينَ رَءُوفٌ رَحِيمٌ} [التوبة:١٢٨].
فلذلك لا نتصور -كما يريد أعداؤنا أن نتصوره- أن حكم الشرع تضييق وحجر وتحجير وتعنت وتطرف إلى آخر هذه المصطلحات، لكننا نثق بأن حكم الله سبحانه وتعالى هو الخير لنا في الدنيا وفي الآخرة، ونستحضر قول النبي صلى الله عليه وآله وسلم: (إنما مثلي ومثلكم كمثل رجل أوقد ناراً فجعل الجنادب والفراش يقعن فيه، فأخذ يذبهن بيده، وأنا آخذ بحجزكم عن النار وأنتم تفلتون من يدي).
فما أصدق هذا الحديث في تصويره حقيقة موقفنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وموقفه منا، وحرصه علينا وهو الرءوف الرحيم صلى الله عليه وآله وسلم! فالجنادب والفراش والدواب التي تطير تتصور أنها في مكان مظلم، وحينما ترى النار تتخيل أنها كوة تستطيع أن تخرج منها إلى الضياء وإلى النور، فتقتحم هذه الأضواء بشدة وهي لا تدرك أن في ذلك حتفها وهلاكها وإحراقها.
كذلك هؤلاء العصاة الذين لا ينصتون لتحذيرات الصادق المصدوق الذي لا ينطق عن الهوى صلى الله عليه وآله وسلم، وهو يخاف ويشفق على هؤلاء العصاة فيذبهم ويدفعهم عن أن ينجذبوا نحو النار ونحو الشهوات التي حفت بها النيران، وهم لا يتفكرون ولا يلمحون عواقب هذه المعاصي.
فالرسول عليه الصلاة والسلام يحاول غاية جهده أن يصرفنا عن الهلكة، وإذا هلك واحد منا فبسبب أنه تفلت من يده صلى الله عليه وسلم.
فقوله: (وأنا آخذ بحجزكم عن النار) الحجزة هي مقعد الإزار أو السراويل في وسط الجسم، فهو يمسك المرء حتى لا يقع في النار.
قوله: (وأنتم تفلتون من يدي) أي: أنا أحاول إنقاذكم ولكنكم تصرون على أن تجتذبكم هذه المهلكات.
وقد كان رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم يدعو الله تبارك وتعالى فيقول: (وأسألك العزيمة على الرشد) يعني: أسألك أن ترزقني الإرادة الصادقة والجازمة على أن أختار طريق الرشاد وأتجنب طريق المهالك.
فمن منن الله على العبد أن يرزقه العزيمة على الرشد، فعلى المسلم أن ينوي المسلم الاستعداد لهذا الشهر الكريم، وأن ينوي أن يعمره بطاعة الله سبحانه وتعالى، ويعزم على أن يرشد أمره في هذا الموسم الذي هو أعظم مواسم الخيرات على الإطلاق في السنة كلها.
فإذا كان قطاع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى يستعدون لرمضان بالفوازير والمسلسلات والأفلام والسهرات الرمضانية وغير ذلك من هذه السفاهات، حتى طلاب الدنيا من التجار وغيرهم يستعدون بطريقتهم الخاصة لاستقبال رمضان، فلا ينبغي أن يقصر عباد الرحمن وأولياء الله عز وجل عن أمثال هؤلاء في الاستعداد لاغتنام هذه الفرصة العظيمة إلى أقصى حد ممكن، ولما كانت القاعدة أن درء المضار مقدم على جلب المنافع، وأن الدفع أسهل من الرفع فمن أجل ذلك نستعد لرمضان ابتداء.
لكننا نقدم التحذير من هذا العدو قاطع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، الذي أصاب أغلب الديار شؤمه، ونقدم لذلك بهذه المقدمة فنقول: إن الأرض إذا مادت تحت أقدام الناس بالزلازل فإنه يصيب الناس الهلع والفزع والخوف والجزع، فلا تجد واحداً من هؤلاء الذين تموج بهم الأرض يستطيع أن يحدد موقفه ولا مصيره؛ لأن الجميع يكونون مأخوذين بدهشة المفاجأة، فلا يوجد لأحد فرصة أن يسأل غيره عما يفعل، بل لا يخطر في بال أحد أصلاً أن يسأل غيره.
إن العين التي تستطيع أن تسجل هذه الحركة بصدق وبموضوعية يجب أن تكون خارجة عن تأثير هذا المجال، ولا يستطيع أن يصف حال هؤلاء الناس إلا شخص واحد فقط، هو المتحرر من تأثيرهم، بحيث يراهم من بعيد دون أن يتعرض لنفس المؤثر، فهذا هو الذي يستطيع أن يعطينا تصويراً صادقاً ويصف حال هؤلاء الناس حينما تميد بهم الأرض، فيجب أن يكون في وضع معزول تماماً عن تأثيرهم.
ويبدو أن هناك عقلاً وضع وصنع قصة جحا حينما كان يقطع الغصن وهو جالس على فرع الشجرة من الجهة الخارجية، وظل يقطع هذا الغصن، وهذه القصة تعطينا صورة فقدان الوعي الذي يصاحب مثل هذه الحركة ومثل هذا التصرف، فـ جحا يقف على طرف غصن يعمل هو في قطعه من الجهة الخارجية دون أن ينتبه إلى حتمية السقوط الذي سيصير إليه، فمر به رجل ونبهه إلى هذا المصير قائلاً: احذر! فأنت بعد قليل سوف تسقط إذا تماديت في عملك.
فإذا به يلاقي هذا المصير الذي تنبأ به هذا الرجل، وبعدما سقط أخذ يعدو خلف هذا الرجل يسأله: كيف عرفت أنني سأقع؟! فأي إنسان خارج عن التأثير يستطيع أن يرى الصورة بصدق، وهذه الصورة تمثل بصدق واقع المسلمين اليوم الذين وقعوا تحت طائلة الأسر (التلفزيوني) الفتاك، والذين سقطوا ضحية إدمان الفيديو الفتان في اندفاعهم المحموم وراء أئمة الفتنة والضلال، فهذا واقع لا يتاح التخلص منه إلا للإنسان الذي استطاع أن يعزل نفسه عن مؤثراته ضمن حصانة من الفكر المزود بمقاييس الطوارئ.
يرى المؤمن هذا الواقع الذي تعيشه هذه الأسر الأسيرة التي قد ألقت بزمامها إلى التيار يقذف بها حيث اتجه وسار، دون أن تفكر في المقاومة، وأصبحت كل الطاقات المجنونة موجهة للاندفاع الأعمى وراء هذا التيار، كحالة الدفع في محرك السيارة لا عمل لها إلا الدفع، تدفع وتدفع وتدفع، لكن هذا الاندفاع إذا استمر بلا ضابط ولا زمام فإنه يقود إلى الهاوية، فالناس صاروا كالريشة في مهب الرياح، فهم كالغثاء عند نزول الكوارث، ولا رأي لخواصهم فيما يراد منهم ولا لعوامهم فيما يراد بهم.