[إذا استأذن فقيل له ادخل بسلام]
آخر هذه المسائل: إذا قيل له: ادخل بسلام فهل يدخل؟ كان طلحة بن مصرف إذا قيل له ذلك قال: إن شاء الله، فيستثني، أي: أدخل بسلام إن شاء الله، فيحتاط.
وكان ابن عمر إذا قيل له ذلك لم يدخل، وعلل ذلك بأنه شرط لا يدري أيفي به أم لا، وقال: إنما أنا بشر.
عن مجاهد قال: جاء ابن عمر من حاجة وقد آذاه حر الرمضاء، فأتى فسطاط امرأة من قريش فقال: السلام عليكم، أأدخل؟ فقالت: ادخل بسلام، فأعاد، فأعادت، وهو يراوح بين قدميه، فقال: قولي: ادخل، قالت: ادخل، فدخل.
وعن عبد الرحمن بن جدعان قال: كنت مع عبد الله بن عمر رضي الله عنهما، فاستأذن على أهل بيت، فقيل: ادخل بسلام، فأبى أن يدخل عليه.
قال شارح (الأدب المفرد): لعل الإباء كان لمصلحة دينية.
وقال ابن عطية: كأنه توقف لما قالت: بسلام؛ لاحتمال اللفظ أن تريد: ادخل بسلامك لا بشخصك.
وقال الألباني رحمه الله تعالى: وذلك لأن مثل ابن عمر لا يمكن أن تخفى عليه سنة الاستئذان بالسلام، وعليه فلا بد أن يكون قد سلم عند الاستئذان، فلما قيل له: ادخل بسلام، فيكون هذا الأمر -والحالة هذه- لا معنى له، بل لعله إلى الاستهزاء أقرب؛ ولذلك لم يدخل عليهم، ولعله مما يؤيد هذا التأويل ما أخرجه ابن أبي شيبة في مصنفه بسند آخر صحيح بلفظ: عن أبي مجلز قال: كان ابن عمر إذا استأذن فقيل له: ادخل بسلام، رجع، وقال: لا أدري أدخل بسلام أم بغير سلام.
فهذا هو الذي فهمه الشيخ الألباني رحمه الله تعالى، وأما العلماء الآخرون فقالوا: هي تشترط عليه شرطاً، وهو لا يدري أيفي بهذا الشرط أم لا، وقال: إنما أنا بشر؛ فلذلك كان يمتنع من الدخول ويقول: لا أدري أأدخل بسلام أم بغير سلام، فالتعليل الأخير أقوى، وهو: أنها أذنت له بشرط أن يدخل بسلام؛ ولكونه بشراً غير معصوم خشي ألاّ يفي بهذا الشرط، فامتنع عن الدخول بهذا الشرط احتياطاً وتورعا، ً أو طلب منها أن تأذن له بالدخول بدون الشرط المذكور، والله تبارك وتعالى أعلم.
وعن معاوية بن خديج قال: قد قدمت على عمر بن الخطاب رضي الله عنه، فاستأذنت عليه، فقالوا لي: مكانك حتى يخرج إليك، فقعدت قريباً من بابه، قال: فخرج إلي، فدعا بماء، فتوضأ ثم مسح على خفيه، فقلت: يا أمير المؤمنين! أمن البول هذا؟ قال: من البول أو من غيره.
فلا بأس أن من استأذن فقيل له: حتى أخرج، أن يقعد قريباً من الباب.
نكتفي الليلة بهذا القدر، ونكمل البحث إن شاء الله الأسبوع القادم، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.