[نحن قوم أعزنا الله بالإسلام]
عن ابن شهاب قال: (خرج عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى الشام ومعنا أبو عبيدة بن الجراح رضي الله عنه، فأتوا على مخاضة -أي: بركة ماء أو بحيرة ماء- وعمر على ناقته، فنزل عنها وخلع خفيه ووضعهما على عاتقه، وأخذ بزمام ناقته فخاض بها المخاضة، فقال أبو عبيدة: يا أمير المؤمنين! أأنت تفعل هذا، تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك؟! حيث كان القساوسة واقفين على أسوار بيت المقدس يشاهدون هذا الموقف، فكيف يراه القساوسة والبطارقة وهؤلاء النصارى وهو على هذه الهيئة يفعل هذا؟! فـ عمر ثاني أفضل رجل طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء، فإن أفضل مخلوق من البشر طلعت عليه الشمس بعد الأنبياء والمرسلين أبو بكر رضي الله عنه، يليه الفاروق عمر رضي الله تبارك وتعالى عنه.
فهل هناك من هو أعظم من هؤلاء حتى نتخذ منه قدوة، ونتلقى منه المفاهيم والموازين للناس والأشخاص والقيم؟ ماذا قال عمر لما قال له أبو عبيدة: (يا أمير المؤمنين أنت أنت تفعل هذا! تخلع خفيك وتضعهما على عاتقك وتأخذ بزمام ناقتك وتخوض بها المخاضة، ما يسرني أن أهل البلد استشرفوك؟ قال عمر: أوه -هذا اسم فعل مضارع بمعنى أتوجع وأتضجر من هذه الكلمة- أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم) لكن أبو عبيدة هو من العشرة المبشرين بالجنة، وهو أمين هذه الأمة رضي الله عنه، فقال: لو كان غيرك قالها لجعلته نكالاً ولأدبته تأديباً شديداً، لأجل هذا الخلل في مقاييسه وموازينه وحكمه على الأمور.
قال عمر: (أوه لو يقل ذا غيرك أبا عبيدة جعلته نكالاً لأمة محمد صلى الله عليه وسلم، إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بالإسلام، فمهما ابتغينا العزة بغير ما أعزنا الله به أذلنا الله).
فهذا قانون خاص للأمة المحمدية تعامل هذه المعاملة؛ فهذه سنة الله فيمن يكفر نعمة الله، الله الذي أنزل هذا القرآن قال: {لَقَدْ أَنزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلا تَعْقِلُونَ} [الأنبياء:١٠] يعني: فيه رفعتكم ومجدكم.
فبعدما كانت أمة العرب أذل الأمم وأحقرها فما رفعهم الله إلا بهذا الدين، فأي أمة أخرى إذا تمسكت بدينها تقهقرت! وإذا تخلفت عن دينها تقدمت إلا أمة الإسلام إذا تخلوا عن دينهم لابد أن يصيروا في ذيل الأمم؛ لأنهم كفروا نعمة الله؛ لأن الله شرفهم بما لم يشرف به أمة من العالمين بالقرآن وبالإسلام وبسنة سيد الأنام صلى الله عليه وسلم.
فمن يكفر بنعمة الله يهنه الله، قال عمر: إنا كنا أذل قوم فأعزنا الله بهذا الدين فمهما نبتغي العزة في غير ما أعزنا الله به أذلنا الله، قال تعالى: {وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ} [المنافقون:٨]، فمن ابتغى العزة في غير الإسلام وفي غير مفاهيم الإسلام يعاقب بالمذلة والصغار، هذه الأمة عندما تتمسك بالدين ترتقي، وعندما تتخلى عنه تعود إلى المؤخرة وإلى الذيل.
بخلاف الأمم الأخرى كما رأينا مثلاً أمة اليابانيين لما تخلوا عن دينهم ترقوا وتقدموا، وعندما يدعون أن الحضارة الغربية حضارة نصرانية هذا كذب؛ لأنهم ما ترقوا إلا بعدما كفروا بالكنيسة وكفروا بالدين وعزلوها وحبسوها داخل جدران الكنائس كما هو معلوم، ورفعوا في الثورة الفرنسية شعاراً معروفاً: اشنقوا آخر ملك بأمعاء آخر قسيس.
الشاهد أنه ما ترقى الغربيون إلا بعدما طلقوا الدين وكفروا بالدين تماماً، المسلمون اليوم على العكس تماماً، فمن الظلم أن يطبق هذا الوضع الموجود الآن في بلاد الكفار وفي الغرب على المسلمين؛ لأن المسلمين لن يرتقوا حتماً، ونقسم على هذا بالله عز وجل أنه لا يمكن أبداً أن يصلح حالهم إلا بالقرآن والسنة وبالإسلام، بخلاف غيرهم من الأمم، فمن أراد العز في غير هذا الدين فلن يجني إلا المذلة، وفي رواية أن أبا عبيدة قال: يا أمير المؤمنين! تلقاك الجنود وبطارقة الشام وأنت على حالك هذه؟ فقال عمر: إنا قوم أعزنا الله بالإسلام فلن نبتغي العزة بغيره.
فالعزة ليست بالمظهرية وبالشكليات وغير ذلك.
دخل أعرابي رث الهيئة على أحد الخلفاء فاقتحمته عينه، يعني: كأن الخليفة لما رآه بثياب بالية فكأنه استنقصه وظهر عليه أمارات التأثر بهذا، فعرف الأعرابي ذلك في وجهه فقال: يا أمير المؤمنين! إن العباءة لا تكلمك ولكن يكلمك من فيها، فأدناه وقربه فإذا به يظهر من فصاحة في القول والبلاغة؛ فجعله من خاصته.