الشرك انحطاط وليس ترقياً كما يزعم الأفاكون
إن الشرك الطارئ انحطاط من الأعلى إلى الأدنى، وليس ترقياً ولا تطوراً، لا في بنية الإنسان ولا في عقيدته، فبالنسبة لبنية الإنسان: فإن الإنسان خلق في أكمل وأجمل وأعظم صورة، فقد كان طول آدم عليه السلام ستين ذراعاً في السماء، ثم بدأ الخلق يتناقص حتى وصلنا إلى الوضع الذي نحن عليه الآن، فهي عملية انحدار وهبوط وتدهور، وليست رقياً وتطوراً.
وكذلك أيضاً في شأن العقيدة، فالأصل هو التوحيد، ثم ينحدر الناس وينحطون إلى الأسفل وهو الشرك، وليس كما يزعم أهل التطور المزعوم أن الإنسان يترقى في اكتشاف هذه العقيدة.
فليس السبب في الشرك واتخاذ المعبودات من دون الله هو الترقي في العقيدة خلال القرون، بل سببه الحقيقي هو انحراف أتباع الرسل عما جاءت به الرسل، فهذا هو السبب الحقيقي في حدوث الشرك في الأرض، يقول تعالى: {وَمَنْ أَعْرَضَ عَنْ ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا} [طه:١٢٤]، واتباعهم الظن والهوى وتركهم الهدى، يقول تعالى: {إِنْ يَتَّبِعُونَ إِلَّا الظَّنَّ وَمَا تَهْوَى الأَنْفُسُ وَلَقَدْ جَاءَهُمْ مِنْ رَبِّهِمُ الْهُدَى} [النجم:٢٣].
وقال عز وجل: {وَلا تَتَّبِعُوا أَهْوَاءَ قَوْمٍ قَدْ ضَلُّوا مِنْ قَبْلُ وَأَضَلُّوا كَثِيرًا وَضَلُّوا عَنْ سَوَاءِ السَّبِيلِ} [المائدة:٧٧].
وقال في اليهود: {فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ لَعَنَّاهُمْ وَجَعَلْنَا قُلُوبَهُمْ قَاسِيَةً يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ} [المائدة:١٣].
وقال في النصارى: {وَمِنَ الَّذِينَ قَالُوا إِنَّا نَصَارَى أَخَذْنَا مِيثَاقَهُمْ فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ} [المائدة:١٤].
إذاً: فهذا هو سبب الضلال والانحراف عن الوحي، وهذا هو تعليل وجود الشرك على ظهر الأرض، وليس عملية التطور المزعومة كما ذكروا.
وقال الله تبارك وتعالى أيضاً مبيناً سبب انحرافهم عن التوحيد الذي أمروا به: {اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ عَمَّا يُشْرِكُونَ} [التوبة:٣١].
فالرسل مبرءون من الذين انحرفوا عن منهجهم قال تعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ} [المائدة:١١٦]، فعبر عنه هنا بصيغة الماضي؛ للدلالة على تحقق الوقوع، فكأنه قد وقع، مع أنه سيقع في المستقبل، يعني: سيقول الله يوم القيامة {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ قَالَ سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ * مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ} [المائدة:١١٦ - ١١٧] إلى آخر الآية.