وكما أن الإسلام هو دين اليسر والسماحة فهو دين اللين، وأبلغ مظاهر سماحة الإسلام تبرز في نطاق الدعوة ونشر الدين، وفي معاملة العصاة والمخالفين، فقد جعل الله سبحانه وتعالى الأصل في الدعوة هو اللين وليس الشدة، حتى لو كان الشخص الذي توجه إليه الدعوة من أعتى خلق الله عز وجل، يقول الله تبارك وتعالى لموسى وهارون لما أرسلهما إلى فرعون:{فَقُولا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى}[طه:٤٤].
قال الحافظ ابن كثير: والحاصل من أقوالهم أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين سهل رفيق يكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع.
وذلك لأن المقصود ليس هو أن تكشف عوراته وأن تبين له بأنك أعلم منه أو أنك أقوى منه أو كذا، لكن المقصود هو أن تأخذ بناصيته إلى الله سبحانه وتعالى، وأن تهدي قلبه إلى الحق، فتسلك الطريق الأسهل والأقرب، وهو النصيحة بالرفق وباللين وبالتي هي أحسن.
يقول تبارك وتعالى واصفاً لنبيه صلى الله عليه وسلم وللدعاة من بعده طريق الدعوة ومنهجها:{ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ رَبَّكَ هُوَ أَعْلَمُ بِمَنْ ضَلَّ عَنْ سَبِيلِهِ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ}[النحل:١٢٥]، فأرشده سبحانه إلى القيام بالدعوة بإحدى طرق ثلاث: بالحكمة، والموعظة الحسنة، وبالجدال بالتي هي أحسن، وهذا من باب التأكيد على معنى السماحة في الدعوة وعدم التشديد والتعنيف فيها.
وقال عز وجل:{وَلا تُجَادِلُوا أَهْلَ الْكِتَابِ إِلَّا بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِلَّا الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْهُمْ}[العنكبوت:٤٦] يقول الطبري: أي: لا تجادلوا -أيها المؤمنون بالله وبرسوله- اليهود والنصارى -وهم أهل الكتاب- إلا بالتي هي أحسن، إلا بالجميل من القول، وهو الدعاء إلى الله بآياته والتنبيه على حدوده.