[جهاد الطلب]
فجهاد الطلب: هو تطلب الكفار في عقر دارهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وقتالهم إذا لم يقبلوا الخضوع لحكم الإسلام، وحكم هذا النوع أنه فرض على مجموع المسلمين، أي: فرض على أمة المسلمين ككل، ويدل على ذلك قوله تعالى: {فَإِذَا انسَلَخَ الأَشْهُرُ الْحُرُمُ فَاقْتُلُوا الْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدْتُمُوهُمْ وَخُذُوهُمْ وَاحْصُرُوهُمْ وَاقْعُدُوا لَهُمْ كُلَّ مَرْصَدٍ فَإِنْ تَابُوا وَأَقَامُوا الصَّلاةَ وَآتَوُا الزَّكَاةَ فَخَلُّوا سَبِيلَهُمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ} [التوبة:٥].
وقوله تعالى: {وَقَاتِلُوا الْمُشْرِكِينَ كَافَّةً كَمَا يُقَاتِلُونَكُمْ كَافَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ مَعَ الْمُتَّقِينَ} [التوبة:٣٦].
وقوله تعالى: {انفِرُوا خِفَافًا وَثِقَالًا وَجَاهِدُوا بِأَمْوَالِكُمْ وَأَنفُسِكُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [التوبة:٤١] إلى غير ذلك من الآيات.
ومن السنة: قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (أمرت أن أقاتل الناس حتى يشهدوا أن لا إله إلا الله، وأن محمداً رسول الله، ويقيموا الصلاة، ويؤتوا الزكاة، فإذا فعلوا ذلك عصموا مني دماءهم وأموالهم إلا بحقها، وحسابهم على الله).
وقوله صلى الله عليه وسلم: (اغزوا باسم الله، في سبيل الله، قاتلوا من كفر بالله، اغزوا ولا تغلوا، ولا تغدروا، ولا تمثلوا، ولا تقتلوا وليداً، وإذا لقيت عدوك من المشركين فادعهم إلى ثلاث خصال -أو خلال- فأيتهن ما أجابوك فاقبل منهم، وكف عنهم، ادعهم إلى الإسلام، فإن أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، ثم ادعهم إلى التحول من دارهم إلى دار المهاجرين، وأخبرهم أنهم إن فعلوا ذلك فلهم ما للمهاجرين، وعليهم ما على المهاجرين، فإن أبوا أن يتحولوا منها فأخبرهم أنهم يكونون كأعراب المسلمين، يجري عليهم حكم الله الذي يجري على المؤمنين، ولا يكون لهم في الغنيمة والفيء شيء، إلا أن يجاهدوا مع المسلمين، فإن هم أبوا فاسألهم الجزية، فإن هم أجابوك فاقبل منهم وكف عنهم، فإن هم أبوا فاستعن بالله وقاتلهم).
ويقول صلى الله عليه وسلم: (من مات ولم يغز، ولم يحدث به نفسه، مات على شعبة من النفاق).
وقد أجمع علماء المسلمين على أن جهاد الكفار، وتطلبهم في عقر دارهم، ودعوتهم إلى الإسلام، وجهادهم إن لم يقبلوه أو يقبلوا الجزية؛ فريضة محكمة غير منسوخة.
قال ابن عطية في تفسيره: واستمر الإجماع على أن الجهاد على أمة محمد صلى الله عليه وسلم فرض كفاية، فإذا قام به من قام من المسلمين سقط عن الباقين، إلا أن ينزل العدو بساحة الإسلام فهو حينئذ فرض عين.
فهذا إجماع من جمهور العلماء أن جهاد الطلب والغزو فرض كفاية، إذا قام به جماعة من المؤمنين فيهم غناء لأهل الإسلام أو لنشر الإسلام والدعوة إليه، فليس على كل مسلم أن يخرج معهم، ما داموا يؤدون المهمة، فالباقون لا يأثمون.
واستدل الجمهور بالأدلة التالية: الدليل الأول: قوله تعالى: {وَمَا كَانَ الْمُؤْمِنُونَ لِيَنفِرُوا كَافَّةً فَلَوْلا نَفَرَ مِنْ كُلِّ فِرْقَةٍ مِنْهُمْ طَائِفَةٌ لِيَتَفَقَّهُوا فِي الدِّينِ وَلِيُنذِرُوا قَوْمَهُمْ إِذَا رَجَعُوا إِلَيْهِمْ لَعَلَّهُمْ يَحْذَرُونَ} [التوبة:١٢٢].
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى في هذه الآية: الجهاد ليس على الأعيان، وهو فرض كفاية؛ إذ لو نفر الكل لضاع مَن وراءهم من العيال، فليخرج فريق للجهاد، وليقم فريق يتفقهون في الدين، ويحفظون الحريم، حتى إذا عاد النافرون، أعلمهم المقيمون ما تعلموه من أحكام الشرع، وما تجدد نزوله على النبي صلى الله عليه وسلم.
الدليل الثاني: قوله تعالى: {لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ غَيْرُ أُوْلِي الضَّرَرِ وَالْمُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ فَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ بِأَمْوَالِهِمْ وَأَنفُسِهِمْ عَلَى الْقَاعِدِينَ دَرَجَةً وَكُلًّا وَعَدَ اللَّهُ الْحُسْنَى وَفَضَّلَ اللَّهُ الْمُجَاهِدِينَ عَلَى الْقَاعِدِينَ أَجْرًا عَظِيمًا} [النساء:٩٥].
فقوله تعالى: (لا يَسْتَوِي الْقَاعِدُونَ) إلى آخر الآية، يدل على أن القاعدين غير آثمين مع جهاد غيرهم، أي: ما دامت الكفاية تحصل بهؤلاء المجاهدين.
الدليل الثالث: عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه: (أن رسول الله صلى الله عليه وسلم بعث إلى بني لحيان: ليخرج من كل رجلين رجل، ثم قال للقاعد: أيكم خلف الخارج في أهله وماله بخير كان له مثل نصف أجر الخارج) رواه مسلم.
الدليل الرابع: قال عليه الصلاة والسلام: (من جهز غازياً في سبيل الله فقد غزا، ومن خلفه في أهله بخير فقد غزا) رواه مسلم.
وفي هذا: أن من قعد، ولم يخرج للجهاد، فإنه لا يأثم، ما دام الخارجون تحصل بهم الكفاية.
ومن الأدلة على أنه فرض كفاية: فعل النبي صلى الله عليه وسلم وسيرته، فقد كان يخرج في الغزو تارة، ويبقى تارة، ويؤمر غيره على السرية، ولم يكن يخرج جميع أصحابه، بل بعضهم، وهذا أمر واضح مستفيض، كما في غزوة مؤتة وغيرها.