[عدم البغي في الخلاف]
الضابط السادس: لا يكون الخلاف سائغاً مع البغي.
أي: إذا صحبه بغي؛ لأن الإنسان إذا كان يبغي على مخالفه فالبغي يعارض قصد الحق؛ لأننا ذكرنا في الضابط الأول من ضوابط الخلاف السائغ خفاء الدليل الراجح مع قصد الحق، فالشخص الذي يريد أن يبغي على مناظره أو على مخالفه يستعمل الأدلة للانتصار لرأيه أو مذهبه، والبغي يتنافي مع قصد الحق، فمن قصد الحق لابد من أن يكون متجرداً خارجاً عن الهوى، ولابد من أن يقصد الحق فقط، فإذا كان في بحثه أو في أصوله بغي فإن البغي يعارض قصد الحق الذي هو من لوازم الخلاف السائغ، يقول تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ} [آل عمران:١٩].
يقول شيخ الإسلام رحمه الله تعالى: والبغي إما تضييع للحق وإما تعدٍ للحق، فهو إما ترك واجب وإما فعل محرم، فعلم أن موجب التفرق هو ذلك.
فالذي يحدث التفرق هو البغي، والبغي له صورتان: إما تضييع للحق أي: يضيع الواجب أو تعدٍ للحق بفعل الحرام، فكلاهما بغي يوجب التفرق بين الناس.
فإذاً لا يكون الخلاف سائغاً مع البغي؛ لأن البغي يعارض قصد الحق الذي هو من لوازم الخلاف السائغ.
أما الضابط السابع والأخير فهو أن الخلاف لا يكون خلافاً سائغاً مع ظهور الأدلة، فلابد من أن يكون اجتهادهم واختلافهم إنما هو في المسائل الفرعية التي لم يدل دليل قطعي على حكمها؛ لأن الدليل الظاهر يحسم مادة الخلاف، فإذا كان الخلاف سائغاً قبل ظهور الدليل فإنه لا يكون كذلك بعد ظهوره، وليس هناك تعارض بين هذا والضوابط السابقة؛ لأن العالم معذور في مخالفته للحق، فهو يقصد الحق لكن خالفه، مالم يأته الدليل الصحيح الصريح الذي يحسم الخلاف، فهو معذور قبل ذلك، أما إذا ظهر الحق فلا يعود الخلاف سائغاً في حقه، ولذلك كان الشافعي رحمه الله تعالى يقول: إذا صح الحديث فهو مذهبي.
قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: فلا يجوز لنا أن نعدل عن قول ظهرت حجته بحديث صحيح وافقه طائفة من أهل العلم إلى قول عالم.
وقال: ولهذا اتفق العلماء على أنه إذا عرف شخص الحق لا يجوز له تقليد أحد في خلافه.
فهذه هي ضوابط الخلاف السائغ، وأهمية هذه الضوابط أن الخلاف السائغ لا يتم على أساسه التشنيع على المخالف.
وهذه الضوابط خلاصتها هي: الأول: خفاء الدليل الراجح مع قصد الحق.
الثاني: ما كان من المسائل الدقيقة التي يكثر فيها احتمال الخطأ، وقل من يسلم منه، حتى من فضلاء الأمة.
الثالث: عدم مخالفة النص الشرعي أو الإجماع.
الرابع: لا يكون الخلاف سائغاً إلا إذا كان من أهل العلم والاجتهاد والفقه والبصيرة في الدين.
الخامس: أن يبذل الفقيه أقصى وسعه في الوصول إلى الحق، فإذا قصر ذم بتقصيره، ومن التقصير عدم طلبه الدليل من الكتاب والسنة.
الضابط السادس: لا يكون الخلاف سائغاً مع البغي.
والحمد لله رب العالمين، وصلى الله على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.