[نمو حركة تحرير المرأة في مصر]
وبالنسبة لبدايات الحركة -كما قلنا- كانت البذرة الأولى هي أول اصطدام وأول احتكاك حصل بين المصريين وأوروبا في خلال الحملة الفرنسية، ثم خففت هذه الدعوات، وبعد ذلك أصبحت البذرة تنمو أكثر وأكثر حينما بعث محمد علي باشا والي مصر المبعوثين إلى فرنسا ليتلقوا الخبرات والمهارات الفنية، وأخرج معهم شيخاً أزهرياً من أجل أن يحافظ عليهم هناك، ويصلي بهم، وهو المشرف الديني عليهم، وهو الشيخ رفاعة رافع الطهطاوي، فأقام في باريس خمس سنوات، وما إن عاد إلى مصر حتى بدأ هو يبذر بذور كثير من الدعوات الدخيلة على البيئة المصرية.
فـ رفاعة الطهطاوي هو أول من دعا إلى فكرة الوطنية القومية بمعناها المادي المحدود، فإن المسلمين قبل ذلك ما كانوا يعرفون إلا الرابطة الإسلامية، ولم يعرفوا قومية عربية ولا شعوبية ولا فرعونية، فأول من استورد فكرة الوطنية بمعناها الوثني المحدود وهو التمسك بقطعة معينة من الأرض وغير ذلك من المفاهيم المعروفة عن الوطنية والقومية هو رفاعة الطهطاوي، استوردها من فرنسا حينما رجع من واقع الحياة الفرنسية، وكذلك أخذ طبعة من فرنسا في قضايا جريئة جداً مثل موضوع الكلام على موضوع الطلاق واختلاط الجنسين، وقال: إن السفور والاختلاط ليس داعياً إلى الفساد.
وطالب بأن نقتدي بالفرنسيين في إنشاء المسارح والمراقص، وقال: إن الرقص على الطريقة الأوروبية ليس من الفسق في شيء، بل هو عياقة وسلبنة.
يعني: أناقة وفتوة.
وكان يحرض عليها.
فأول من أثار قضية تحرير المرأة هو رفاعة الطهطاوي في القرن التاسع عشر الميلادي، وسن بذلك أسوأ السنن، حتى إنه حاول أن يضع هذه الأفكار النظرية موضع التنفيذ، وحصلت مقاومة لهذا الأمر.
والمحطة الثانية حصلت بعد ذلك في القرن التاسع عشر، فالقذيفة التي تليها كانت لقس مصري يدعى مورقس فهمي عام (١٨٩٤م) بعد الاحتلال الإنكليزي بحوالي اثنتي عشرة سنة، فظهر أول كتاب في مصر أصدره هذا الرجل مورقس فهمي، وهو من أصدقاء كرومر، أظهره محتمياً بالنفوذ البريطاني، وكتابه هو (المرأة في الشرق)، دعا فيه صراحة -وللمرة الأولى في تاريخ المرأة المصرية- إلى تحقيق أهداف خمسة: أول هذه الأهداف: القضاء على الحجاب الإسلامي.
ثانياً: إباحة اختلاط المرأة المسلمة بالأجانب عنها.
ثالثاً: تقييد الطلاق وإيجاب وقوعه أمام القاضي.
رابعاً: إباحة الزواج بين المسلمات والأقباط.
خامساً: منع الزواج بأكثر من واحدة.
وأصلاً هو نصراني، فلماذا يخاطب المسلمين ويطالبهم أن يتخلوا عن دينهم؟! وما له ولموضوع التعد؟ وهذا الكتاب أحدث ضجة عنيفة، ولم يفق المسلمون من الصدمة التي أحدثها هذا الكتاب حتى ظهر كتاب آخر لفرنسي يدعى الدوق داركير حيث ألف كتاباً اسمه (المصريون)، حمل فيه على نساء مصر، وهاجم المصريين، وتعدى على الإسلام، ونال من الحجاب الإسلامي، وهاجم المثقفين المصريين لأنهم يسكتون على هذه الأوضاع ولا يريدون أن يتمردوا عليها.
ولجأ بعد ذلك الاستعمار الإنكليزي إلى الأميرة نضلي فاضل، وهي أم الملك فاروق، وطلب منها أن تساند مورقس فهمي من خلال صالونها الذي كانت تقابل فيه الرجال.