[تحذير الشرع من خطر الفتنة بالنساء]
كان الإشفاق من وبال هذه الفتنة أشد ما خامر قلب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وأشد ما أشفق منه على أمته، وفي سبيل تحذير هذه الأمة من خطر هذه الفتنة ألقى على السابقين الأولين من المسلمين كلمته خالدة: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه).
بين لنا صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث كيف أن الافتتان بالمرأة قد يؤدي إلى إحباط عمل من أفضل ما يتقرب به إلى الله عز وجل، ألا وهو الهجرة إلى الله سبحانه, وإلى رسوله صلى الله عليه وآله وسلم.
وأشار القرآن الكريم إلى خطر فتنة المرأة فقال سبحانه وتعالى: {زُيِّنَ لِلنَّاسِ حُبُّ الشَّهَوَاتِ مِنَ النِّسَاءِ وَالْبَنِينَ وَالْقَنَاطِيرِ الْمُقَنْطَرَةِ مِنَ الذَّهَبِ وَالْفِضَّةِ وَالْخَيْلِ الْمُسَوَّمَةِ وَالأَنْعَامِ وَالْحَرْثِ ذَلِكَ مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَاللَّهُ عِنْدَهُ حُسْنُ الْمَآبِ} [آل عمران:١٤] فقدم سبحانه وتعالى على رءوس هذه الفتن كلها فتنة النساء لعراقتهن في هذا الباب؛ ولأن أكثر الرجال إنما دخل عليهم الخلل من قبل هذه الشهوة، ولعله لأجل ذلك أيضاً قدم الله سبحانه وتعالى المرأة على الرجل في قوله عز وجل: {الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ} [النور:٢]؛ لأن دواعي الفتنة قد تكون من جانب المرأة إذا تساهلت أكثر منها من جانب الرجل، في حين قدم الرجل في السرقة لأنه هو الحريص على جمع المال؛ لأنه المسئول عن النفقة فقدم سبحانه وتعالى الرجل فقال: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة:٣٨]، أما في الزنا فإن الخلل إذا أتى من قبل المرأة تكون الفتنة أشد.
وقال سبحانه وتعالى حاكياً عن عزيز مصر قوله: {إِنَّهُ مِنْ كَيْدِكُنَّ إِنَّ كَيْدَكُنَّ عَظِيمٌ} [يوسف:٢٨].
وحذر رسول الله صلى الله عليه وسلم من فتنة المرأة ونصح لأمته في هذا الباب أعظم النصح فعن أسامة بن زيد رضي الله عنهما قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما تركت بعدي فتنة هي أضر على الرجال من النساء).
وعن ابن مسعود رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (المرأة عورة فإذا خرجت استشرفها الشيطان) قال بعض العلماء: المعنى المتبادر من هذا الحديث أنه ما دامت المرأة في خدرها لم يطمع الشيطان فيها لإغواء الناس، فإذا خرجت المرأة من بيتها الذي هو قرارها ومستقرها طمع فيها الشيطان وأطمع فيها الناس؛ لأنها حبائله.
وقوله صلى الله عليه وسلم: (استشرفها الشيطان) أصل الاستشراف وضع الكف فوق الحاجب حينما تريد أن تنظر إلى شيء بعيد.
يقول المنذري: يستشرفها الشيطان أي: ينتصب ويرفع بصره إليها، ويهم بها؛ لأنها قد تعاطت سبباً من أسباب تسلطه عليها، وهو خروجها من بيتها.
وهذا في حق شياطين الجن، فما بالك بشياطين الإنس في هذا العصر الذين هم أضر على المرأة من ألف شيطان جني، حيث إن أغلب هؤلاء الشباب لا مروءة عندهم ولا دين ولا شرف، ويتعرضون للنساء بشكل مفجع وهيئة تدل على خساسة ودناءة وانحطاط، فلا شك أن فتنة هؤلاء الشباب بهذه المرأة إذا خرجت -خاصة إذا كانت متبرجة- شديدة.
وقال ابن مسعود رضي الله تعالى عنه: إنما النساء عورة، وإن المرأة لتخرج من بيتها وما بها بأس، فيستشرفها الشيطان فيقول: إنك لا تمرين بأحد إلا أعجبتيه، وإن المرأة لتلبس ثيابها فيقال: أين تريدين؟ فتقول: أعود مريضاً أو أشهد جنازة أو أصلي في مسجد، وما عبدت امرأة ربها مثل أن تعبده في بيتها.
فأعظم أنواع العبادة وأعلى درجات الثواب للمرأة أن تعبد ربها داخل حدود بيتها، كما أمر الله سبحانه وتعالى في القرآن العظيم: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣].