للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الجذور الأوروبية لتحرير المرأة]

هذه مقدمة بسيطة تتعلق بجذور تحرير المرأة في الغرب: الجذور الثقافة الأوروبية أساساً ترجع إلى التراث اليوناني والروماني الوثني، وأصول الحضارة الغربية ترجع إلى التراث اليوناني والروماني الوثني، وفي الحقيقة هي تنبذ الدين وتنبذ التوراة والإنجيل.

ومعلوم أن في هذا التراث أنَّ أفلاطون في دولته الخيالية التي افترضها جعل النساء متاعاً في طبقة الجنود، على أساس هذا التراث بنيت علاقات الرجال بالنساء، ولا شك أن هذا يصطدم تماماً مع الإسلام الذي يحرص على الستر وعلى العفاف، وقد تكلمنا من قبل مراراً على المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، والتي منها صيانة العرض، وصيانة الشرف، وفي الإسلام العرض له قيمة عظمى جداً، وهكذا الشرف.

أما اللغات الأوروبية فكلها تخلو من كلمة (العرض)، فلا تعرف كلمة (العرض) فضلاً عن المعاني الحقيقية لهذه الكلمة، فأصلاً الشرف والعرض والصيانة هذا مما لا قيمة له عندهم، والإسلام لأنه يعطيه قدراً عظيماً جداً وضع الاحتياطات الكفيلة بعدم المساس بهذه الأمور المصونة أو اختراق حجب الستر والعفاف، فعندهم حينما يحصل التحلل والاختلاط ونحوهما لا يخسرون شيئاً في تصورهم؛ لأنهم لن يصطدموا مع عقيدة، أما نحن فهذا يصطدم مع عقيدتنا، ولا يمكن لإنسان أن يكون مخلصاً وملتزماً بدعوة قاسم أمين إلا إذا خرج من الإسلام، فكما رأينا وصلوا إلى حد أنهم يقولون: تحرير المرأة هو المساواة بين الرجل والمرأة.

أي: المساواة بينهما في الميراث وفي كل شيء.

وهذا خروج من الملة، ويقولون غير ذلك من الكفريات التي وصلوا إليها.

فأصل دعوة تحرير المرأة هو انعكاس لدعوة مماثلة شاعت في الغرب في القرن التاسع عشر، وهي أحد فروع التوجه العلماني الليبرالي الذي كان عدواً للنصرانية، فالنصرانية لها تصور عجيب جداً عن المرأة في فترة شباب النبي عليه الصلاة والسلام، حيث إنه في نفس الوقت عقد في فرنسا مؤتمر يناقش: هل المرأة لها نفس أم أنها حيوان وليس له نفس؟! واتفقوا في النهاية على أن لها نفساً، لكن لا ترقى إلى روح الرجل.

فقد كانوا في غاية التخلف بالنسبة لموضوع المرأة، وتحرير المرأة نشأ في الغرب كرد فعل من موقف النصرانية واليهودية من المرأة.

وهؤلاء استوردوا موضوع تحرير المرأة من الغرب، والغرب تبنى فكرة تحرير المرأة مضادة للكنيسة ومضادة للنصرانية، فعندما تستورد فلابد أن يحصل تغيير، فأصبح العدو هو الإسلام! إنه تعميم ظالم، كما حصل في قضية العلمانية، فأصبح العدو الذي يجب تحرير المرأة منه هو الإسلام، أو بالتعبير المموه: (العدو هو التفسيرات الخاطئة للإسلام) من أجل أن يهذبوها ويستطيعوا خداع الناس بها، وهذا التعبير المألوف والمطروح هو على سبيل التقية، مثل تقية الشيعة، فيدّعون أن الذي يدعون إليه هو سماحة الإسلام ويسر الإسلام، وأنه الإسلام الصحيح.

وهذا الإسلام الصحيح يشترط أن العلمانيين وحدهم هم الذين أوتوا مفاتحه ولا يستطيع أحد أبداً أن يصل إلى الإسلام الصحيح إلا هؤلاء العلمانيون، وهؤلاء المتحررة، أما العلماء والفقهاء والمتخصصون فلا يتكلمون باسم الإسلام؛ لأنهم رجعيون! فالحقيقة أن الاشتباك مع الإسلام لم يكن؛ لأن الإسلام يعادي المرأة أو يقمع المرأة، ولكن لأن النبع الأم الذي استوردت منه هذه الفكرة كان يعادي دين النصرانية، فلابد أيضاً أن يعادي في بلادنا الدين الذي هو دين الإسلام.

وهذه الدول الأوروبية التي احتلت معظم بلاد المسلمين سعت منذ اللحظة الأولى لإحلال نظام العلاقات الأوروبية بين الرجال والنساء محل العفاف والستر الإسلاميين، وعلى هذا كان موضوع تحرير المرأة وإحلال النظم الأوروبية -أو بتعبير أدق: الفوضى الأوروبية- في علاقات الرجال بالنساء محل العفاف والستر والصيانة الذي تتميز بها المرأة المسلمة، وكان هذا الإحلال يمثل ركيزة أساسية في مشروعهم للقضاء على هوية الشعوب المسلمة واستقلالها الاعتقادي والتشريعي والأخلاقي.