[رحمة الرسول صلى الله عليه وسلم بالأمة]
إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتدي، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.
اللهم! صل وسلم على محمد النبي وأزواجه أمهات المؤمنين وذريته وأهل بيته كما صليت على آل إبراهيم إنك حميد مجيد.
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وأحسن الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
عن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: (بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أتى على المسلمين شهر خير لهم من رمضان، ولا أتى على المنافقين شهر شر لهم من رمضان، وذلك لما يعد المؤمنون فيه من القوة للعبادة، وما يعد فيه المنافقون من غفلات للناس وعوراتهم، هو غنم للمؤمن يغتنمه الفاجر).
هذا الحديث أخرجه الإمام أحمد، ونسبه ابن حجر إلى صحيح ابن خزيمة، وصححه العلامة أحمد شاكر في تحقيقه للمسند.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه من طريق آخر: (أظلكم -يعني: أشرف عليكم وقرب منكم- شهركم هذا، بمحلوف رسول الله صلى الله عليه وسلم ما مر بالمؤمنين شهر خير لهم منه، ولا بالمنافقين شهر شر لهم منه، إن الله عز وجل ليكتب أجره ونوافله من قبل أن يدخله، ويكتب إصره -يعني إثمه وعقوبته- وشقاءه من قبل أن يدخله، وذلك أن المؤمن يعد فيه القوة للعبادة من النفقة، ويعد المنافق اتباع غفلة الناس واتباع عوراتهم، فهو غنم للمؤمن يغتنمه المنافق).
وهذا الحديث رواه الإمام أحمد والبيهقي والطبراني في الأوسط وابن خزيمة في صحيحه، وسكت عنه المنذري، وأورده الهيثمي في المجمع، وقال: رواه أحمد والطبراني في الأوسط عن تميم مولى ابن رمانة ولم أجد من ترجمه.
ولن نطيل في شرح هذا الحديث، لكننا نريد أن نخلص منه بعبارة، هي أن هذا الشهر العظيم الذي اقتربنا منه غنم يغتنمه كلا الفريقين، يغتنمه المؤمن ويغتنمه الفاجر والمنافق.
قال العلماء في شرح اغتنام المنافق والفاجر لشهر رمضان: إن المنافق يستغل انقطاع المسلمين للعبادة في تتبع عوراتهم أو محاولة أذيتهم؛ لأنهم يكونون مشغولين بالعبادة، معتكفين في المساجد، أو مشغولين بالقيام وغير ذلك من الطاعات، فيستغل المنافقون أو الفاجرون هذه الغفلة من المؤمنين بسبب انشغالهم بالعبادة في سرقتهم أو تتبع عوراتهم، كما يحصل منهم في هذا الزمان حينما يستغلون غفلة المصلين أثناء السجود والركوع فيسرقون الأحذية أو أمتعة الناس أو غير ذلك.
والحقيقة أن هذا المعنى الذي أشار إليه هذا الحديث وفسره به العلماء فيما مضى يتضاءل جداً أمام كيفية اغتنام الفاجرين لهذا الشهر الكريم في قطع الطريق إلى الله سبحانه وتعالى، فقطاع الطريق لا يقتصرون على قطع الطريق ليستولوا على الأموال وعلى المتاع، بل الأضر والأسوأ والأقبح الذين يقطعون طريق التائبين إلى الله سبحانه وتعالى الذين يمضون إلى الله فيتعرض لهم قطاع الطريق لكي يحرموهم هذه الفرصة العظيمة التي هي شهر رمضان المبارك.