من الأمور المهمة جداً التي تعين الإنسان على أن ينشغل عن الغيبة ويبرأ منها: أن يشتغل بعيوب نفسه، فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (يبصر أحدكم القذى في عين أخيه وينسى الجذع في عينه) القذى: هو ما يقع في العين أو الماء أو الشراب من التراب أو التبن أو القش أو أي شيء من هذا، هذا هو القذى، ودائماً يكون شيئاً صغيراً، أما الجذع فهو واحد جذوع النخل، وهو كبير بالنسبة للقذى، فالرسول عليه الصلاة والسلام يقول: إنك تنشغل بعيب الناس مع أن فيك ما هو أخطر وأشد جسامة من عيب أخيك، فإذا أردت أن تنتقد أخاك في الإسلام، وتدقق حتى ترى منه أدق العيوب وتنتقد من أجلها، ففي عينك الجذع ولا تراه، لكنك تدقق في رؤية عيب أخيك! فالإنسان لنقصه وحب نفسه يتوفر على تدقيق النظر في عيب أخيه، فيدرك عيب أخيه مع خفائه، فيعمى به عن عيب في نفسه ظاهر لا خفاء به، ولو أنه اشتغل بعيب نفسه عن التفرغ لعيوب الناس، لكف عن أعراض الناس وسد الباب إلى الغيبة، ومعروف في علم النفس حيلة الإسقاط، والإسقاط: إنسان يشعر بنقص معين أو هو يعمل ذنباً معيناً فيدافع لا شعورياً عنه، حتى يبرئ نفسه من هذا الذنب، فيرمي به الآخرين، والمولع بذم الناس فيه عيوب، لكن هو لا شعورياًَ يحاول أن يدفعها عن نفسه، وينفيها بأن ينتقص الآخرين، فلو علم ذلك لأدرك أنه إذا أكثر ذم الناس فهو يكشف عن العيوب المستكنة في نفسه.
يقول بعض العلماء: عجبت لمن يبكي على موت غيره دموعاً ولا يبكي على موته دما وأعجب من ذا أن يرى عيب غيره عظيماً وفي عينه عن عيبه عمى هو أعمى عن عيب نفسه، لكن بصره حاد عندما يريد أن يرى عيوب الآخرين!