[من أساليب السلف في حفظ اللسان]
عن أسلم: أن عمر رضي الله تعالى عنه دخل يوماً على أبي بكر الصديق رضي الله عنه وهو يجبذ لسانه، فقال عمر: مه! غفر الله لك، فقال له أبو بكر: إن هذا أوردني الموارد.
وعن جرير بن حازم قال: ذكر ابن سيرين رجلاً فقال: ذاك الرجل الأسود -يريد أن يعرفه بصفة يمتاز بها- ثم قال: أستغفر الله؛ ما أراني إلا قد اغتبته.
فما دام الإنسان يستطيع أن يميز الشخص بصفة أخرى غير الصفة التي تؤذيه فعليه أن يلجأ إليها، ولا يلجأ إلى الصفة التي فيها نقص أو إساءة أو عيب فيه، إلا إذا لم يجد غيرها وكان لابد من ذكرها.
وعن ثابت البناني رحمه الله تعالى قال: قال شداد بن أوس رضي الله عنه لغلامه: ائتنا بسفرتنا فنعبث ببعض ما فيها، -يعني: نأكل ما فيها- فقال له رجل من أصحابه: ما سمعت منك كلمة منذ صاحبتك أرى أن يكون فيها شيء غيره هذه، قال: صدقت؛ ما تكلمت بكلمة مذ بايعت رسول الله صلى الله عليه وسلم إلا أحكمها وأفطنها إلا هذه، وايم الله لا تذهب مني هكذا، فجعل يسبح ويكبر ويحمد الله عز وجل! يعني: مقابل أنه قال هذه الكلمة أراد أن يجبرها ويكفرها بذكر الله عز وجل.
وعن حسان بن عطية قال: كان شداد بن أوس في سفر، فنزل منزلاً، فقال لغلامه: ائتنا بالسفرة نعبث بها، فأنكرت عليه فقال: ما تكلمت بكلمة منذ أسلمت إلا وأنا أختمها وأحكمها إلا كلمتي هذه، فلا تحفظوها عليَّ.
وعن محمد بن سيرين رحمه الله تعالى قال: قال فلان -وسمى رجلاً-: ما رأيت رجلاً من الناس إلا لابد أن يتكلم ببعض ما لا يريد غير عاصم بن عمر.
وعن أبي عبيد قال: ما رأيت رجلاً قط أشد تحفظاً في منطقه من عمر بن عبد العزيز.
وكان الربيع بن خيثم إذا أصبح وضع دواة وقرطاساً وقلماً، فكل ما تكلم به كتبه، ثم يحاسب نفسه عند المساء.
يعني: أن كل الكلام الذي يتكلم به يسجله، ثم يأتي في المساء فيحاسب نفسه على ما قاله.
وعن إبراهيم التيمي قال: أخبرني من صحب الربيع بن خثيم عشرين سنة فلم يتكلم بكلام لا يصعد، أي: أن كل كلامه في حق؛ بحيث يصعد إلى الله، كما قال تعالى: {إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ} [فاطر:١٠].
وقال خارجة بن مصعب: صحبت ابن عون ثنتي عشرة سنة، فما رأيته تكلم بكلمة كتبها عليه الكرام الكاتبون.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم، سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، والحمد لله رب العالمين.