[تحريم الزنا]
الإجراء الوقائي الثاني: تحريم فاحشة الزنا، وبيان أنه خراب للدين والدنيا: فقد أجمعت كل الشرائع السماوية على تحريم هذه الفاحشة، واعتبرت هذا الفعل من أكبر الآثام وأعظم الجرائم التي تدنس النفس البشرية، وتحول بينها وبين سعادتها وكمالها، ووضعت له أشنع عقوبة في الحدود الشرعية، وهي الرجم بالحجارة حتى الموت للزاني المحصن، وتوعدت فاعليها بالعقوبات الآجلة والعذاب الأليم في العاجلة، قال الله عز وجل: {وَلا تَقْرَبُوا الزِّنَى إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَسَاءَ سَبِيلًا} [الإسراء:٣٢].
ليس هذا فحسب، بل قرن الله سبحانه وتعالى الزنا بأكبر الكبائر فقال عز وجل في صفات عباد الرحمن: {وَالَّذِينَ لا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آخَرَ وَلا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا} [الفرقان:٦٨ - ٦٩] إلى آخر الآيات.
وعن عائشة رضي الله عنها أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في خطبة الكسوف: (يا أمة محمد! والله إنه لا أحد أغير من الله أن يزني عبده أو تزني أمته) تخيل الأب كيف يغار على عرض ابنته، وكيف يغار الزوج على عرض زوجته، فالله عز وجل أشد غيرة من هذا الرجل على ابنته أو امرأته، فيغضب الله سبحانه وتعالى حين تنتهك حرماته وتعصى أوامره.
ثم قال: (يا أمة محمد! والله لو تعلمون ما أعلم لضحكتم قليلاً ولبكيتم كثيراً، ثم رفع يديه فقال: اللهم هل بلغت؟).
ليس هذا فحسب، بل إن رسول الله صلى الله عليه وسلم ينفي الإيمان من قلوب هؤلاء الذين استمرءوا الكبائر، وبين انسلاخهم من الدين، يقول صلى الله عليه وسلم (لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن، ولا يسرق السارق حين يسرق وهو مؤمن)، وقال عليه الصلاة والسلام: (إذا زنى العبد خرج منه الإيمان فكان على رأسه كالظلة) يخرج الإيمان من قلبه، ويبقى بعيداً عنه كالظلة، فإذا أقلع رجع إليه.
وقال صلى الله عليه وسلم: (إذا ظهر الزنا والربا في قرية فقد أحلوا بأنفسهم عذاب الله)، وقال صلى الله عليه وسلم (لم تظهر الفاحشة في قوم قط حتى يعلنوا بها إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم).
وعن بريدة مرفوعاً: (ما ظهرت الفاحشة في قوم قط إلا سلط الله عز وجل عليهم الموت).
بلغ التنفير من هذه الفاحشة وتبغيضها إلى قلوب المؤمنين أن أم جريج العابد دعت على ابنها حينما أتته في صومعته ونادته ثلاث مرات، وفي كل مرة كان يتنفل بالصلاة ويقول: يا رب! أمي وصلاتي، فيقبل على صلاته، فدعت عليه أمه بعقوبة شديدة، وهي ألا يموت حتى يرى وجوه الزانيات، فكان أن افترت عليه امرأة زانية وادعت أنه هو الذي فعل بها الفاحشة، وكان مظلوماً، فأتى إلى الغلام المولود من الحرام، فغمزه بيده وقال: من أبوك؟ فقال: فلان الراعي، فبرأه الله سبحانه وتعالى، لكن المقصود من هذه القصة: أن مجرد وقوع العين على الذين يقعون في هذه الفاحشة عقوبة كما دعت بها أم هذا العبد الصالح عليه بأن يعاقب بها.
وجعل الله سبحانه وتعالى التعفف من هذه الفاحشة من صفات المؤمنين المصلحين، قال عز وجل: {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ * الَّذِينَ هُمْ فِي صَلاتِهِمْ خَاشِعُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ عَنِ اللَّغْوِ مُعْرِضُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِلزَّكَاةِ فَاعِلُونَ * وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ} [المؤمنون:١ - ٧].
وقصة يوسف دليل على فضيلة العفة وحسن عاقبتها، وفي السنة أحاديث كثيرة صحيحة في هذا المعنى، مثل حديث السبعة الذين يظلهم الله في ظله يوم لا ظل إلا ظله، قال عليه الصلاة والسلام: (ورجل دعته امرأة ذات منصب وجمال فقال: إني أخاف الله)، وقال صلى الله عليه وسلم: (من يضمن لي ما بين رجليه وما بين لحييه أضمن له الجنة).
وفي حديث الثلاثة الذين توسلوا إلى الله بصالح أعمالهم بعدما أطبقت عليهم الصخرة في الغار، توسل كل منهم بصالح عمله، فاستشفع أحدهم ببره بوالديه، والآخر برده أجر العامل الذي تركه عنده فاستثمره له، واستشفع الثالث بأنه كانت له ابنة عم يهواها، فما زال يراودها عن نفسها حتى ألم بها قحط فراودها فخضعت له، فلما تمكن منها قالت له: اتق الله ولا تفض الخاتم إلا بحقه، فإذا هو يرتعد من خشية الله، وينصرف عنها ويترك لها المال الذي أعطاها ابتغاء وجه الله، فأزال الله الصخرة عن فم الغار بفضل هذه الأعمال الصالحة.
وعن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (كان فيمن كان قبلكم رجل اسمه الكفل، وكان لا ينزو عن شيء، -وفي رواية: كان الكفل من بني إسرائيل لا يتورع من ذنب عمله، فأتى امرأة علم بها حاجة، فأعطاها عطاءً كثيراً -وفي رواية: أعطاها ستين ديناراً-، فلما أرادها على نفسها ارتعدت وبكت فقال: ما يبكيك؟ قالت: لأن هذا عمل ما عملته قط، وما حملني عليه إلا الحاجة، فقال: تفعلين أنت هذا من مخافة الله، فأنا أحرى، اذهبي فلك ما أعطيتك، ووالله لا أعصيه أبداً، فمات من ليلته، فأصبح مكتوباً على بابه: إن الله تعالى قد غفر للكفل، فعجب الناس من ذلك، حتى أوحى الله تعالى إلى نبي زمانهم بشأنه) هذا الحديث رواه الترمذي في صفة القيامة وابن حبان في صحيحه، وقال الترمذي: هذا حديث حسن، وهو عند الحاكم وصححه ووافقه الذهبي.