[ما جاء في الكبر والخيلاء من الوعيد الشديد]
وعن أبي هريرة رضي الله تعالى عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (ما نقصت صدقة من مال) هذا الحكم أقسم عليه النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأن بعض الناس قد يقصر فهمه، ويضعف يقينه بهذه الأشياء، وإذا بذل من ماله صدقة ربما ظن أنها تنقص هذا المال، فيحلف النبي صلى الله عليه وسلم بقول: (ثلاث أُقسم عليهن: ما نقصت صدقة من مال)، فلا يمكن أبداً أن الصدقة تنقص المال.
ثم يقول: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً)، مع أن الناس يتصورون أن العفو مذلة ومهانة، لكن يحلف النبي صلى الله عليه وسلم على عكس ذلك فيقول: (وما زاد الله عبداً بعفو إلا عزاً).
ثم يقول صلى الله عليه وسلم: (وما تواضع أحد لله إلا رفعه الله)، فكلما زدت في مراتب التذلل والخضوع لله سبحانه وتعالى والتواضع لعباده رفعك الله، والناس الذين لا يستقون مفاهيمهم من الوحي الشريف لا يستطيعون أن يتصوروا هذا، فيظنون أن التواضع مذلة، لكن الواقع أنه كلما زاد العبد في تواضعه وخضوعه رفعه الله سبحانه وتعالى.
والنصوص التي تحذر من الإسبال، وتأمر بالتواضع، وتنهى عن الكبر، ليس معناها -كما يفهم بعض الناس- أن المسلم مطلوب منه أن يظهر بمظهر قذر أو مهين! بل إن الشرع قد حث على النظافة وعلى الاهتمام بالمظهر، لكن بالحد المعقول الذي لا يؤدي إلى المخيلة.
فعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (من كان له شعر فليكرمه)، أي: من كان له شعر طويل فليكرمه بالدهون بالتنظيف بالطيب بالتسريح ونحوه.
وحث أيضاً على نظافة البدن، كما هو معروف في غسل الجمعة واستعمال الطيب والسواك، ونحو هذه الأشياء.
أما في الثياب ففي الحديث: (رأى النبي صلى الله عليه وسلم رجلاً رث الثياب، فقال له: هل لك مال؟ قال: نعم، قال: من أي المال؟ قال: من كل المال أعطاني الله، فقال له صلى الله عليه وسلم: فإذا آتاك الله مالاً فليُر أثر نعمة الله عليك وكرامته)، إذاً: تحدث بنعمة الله سبحانه وتعالى، وأظهر هذه النعمة بأن تحسن ثيابك.
وعن ابن مسعود رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا يدخل الجنة من كان في قلبه مثقال ذرة من كبر، قال رجل: إن الرجل يحب أن يكون ثوبه حسناً ونعله حسناً، فقال صلى الله عليه وسلم: إن الله جميل يحب الجمال، الكبر: بطر الحق وغمط الناس) وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (بينما رجل يتبختر في حلة قد أعجبته جُمّته -أي: شعره- وبرداه إذ خسف الله به، فهو يتجلجل، أو قال: يهوي فيها إلى يوم القيامة)، ونحن نؤمن بهذا الحديث؛ لأنه قول النبي صلى الله عليه وسلم، والحديث في أعلى درجات الصحة، فقد رواه البخاري ومسلم.
قوله: (فهو يتجلجل فيها)، أي: بسبب هذا الكبر حتى الآن إلى يوم القيامة لا زال يتجلجل، فكأن له شقاً في الأرض يتجلجل -أي: يندفع بشدة واضطراب- في هذا الشق إلى يوم القيامة؛ لأنه كان معجباً بجمته وقد أسبل إزاره.
والكبر له مظاهر شتى، وليس مَن قصر ثيابه يكون قد برئ من الكبر، فالكبر له أبواب كثيرة.
قال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى: يُستنبط من سياق الأحاديث أن التقييد بالجر خرج للغالب، وأن البطر والتبختر مذموم ولو لمن شمّر ثوبه.
قد سبق ذكر الأحاديث في تحريم الإسبال مطلقاً، لكن من فعل ذلك متعمداً، وقاصداً المخيلة والتكبر والتجبر، فهناك أحاديث كثيرة تبين مضاعفة هذا الوعيد.