للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإخلاص لله تعالى]

أولها: الإخلاص في ذكر الله عز وجل، يقول تعالى: {وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ} [البينة:٥].

وقال عز وجل: {لَنْ يَنَالَ اللَّهَ لُحُومُهَا وَلا دِمَاؤُهَا وَلَكِنْ يَنَالُهُ التَّقْوَى مِنْكُمْ} [الحج:٣٧] أي: النيات والإخلاص، فهذا الذي يصل إلى الله سبحانه وتعالى.

وعن أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى) يقول الفضيل بن عياض رحمه الله تعالى: ترك العمل لأجل الناس رياء، والعمل لأجل الناس شرك، والإخلاص أن يعافيك الله منهما.

فقوله: (ترك العمل لأجل الناس رياء)؛ لأن بعض الناس يفتح عليه بالذكر أو قراءة القرآن فيقول: لا؛ أخشى إن فعلت ذلك أن أكون مرائياً.

فـ الفضيل هنا يقول: إنك إذا تركت العمل خوفاً من الرياء فهذا هو عين الرياء؛ لأنك راعيت رؤية الناس لك، ونظرهم إليك، فضيعت هذه الوظيفة العظيمة أو الشريفة.

(والعمل لأجل الناس شرك)، كذلك إذا فعلت العمل الصالح حتى يراك الناس فهذا هو الشرك الأصغر، أما الإخلاص فهو أن يعافيك الله منهما، فلا تضيع العمل خوفاً من الناس أن يظنوا بك الرياء أو أن ترائي الناس، ولا تعمل العمل مراءاة للناس، لكن الإخلاص أن يعافيك الله منهما.

فافترض أنك الوحيد في هذا الوجود المكلف باتباع الحق وبذكر الله، ولا تبال بالناس، ولا تلق لهم بالاً، فإن الإنسان لو فتح على نفسه باب ملاحظة الناس والاحتراز من تطرق ظنونهم لانسد عليه أكثر أبواب الخير؛ لأنه لا يمكن إرضاء جميع الناس أبداً، فإنك إذا أرضيت فئة تسخط فئة أخرى، وإذا أسخطت هذه الفئة رضيت تلك، وإرضاء الناس غير مطلوب، فهذا شيء أنت غير مكلف به، فلم يأمرك الله أن ترضي الناس.

ثانياً: لم يحصل أبداً أن العبد يرضي الناس ويجتمع عليه الناس، فالأنبياء ما اجتمع البشر عليهم، فأنت اجعل همك هماً واحداً، وهو إرضاء الله سبحانه وتعالى، ولا تبال بالناس، فإنه سيرضى الله سبحانه وتعالى عنك بعد ذلك.

فالإنسان لا يفتح على نفسه باب ملاحظة الناس، ولو فتح الإنسان على نفسه باب ملاحظة الناس والاحتراز من ظنونهم لانسدت عليه أكثر أبواب الخير، وضيع على نفسه شيئاً عظيماً من مهمات الدين، وليست هذه طريقة الصالحين، فإذا أراد الإنسان أن يذكر الله تبارك وتعالى باللسان مع القلب فليس له أن يمتنع من ذلك خوف الرياء، بل يذكر الله بهما جميعاً، ويقصد بذلك وجه الله سبحانه وتعالى وحده.