من مفاسد هذه الفاحشة وعواقبها الوخيمة: أن يَعْمى القلب، ويُطمَس نوره، والزنا يحقر النفس ويقمعها، ويسقط كرامة الإنسان عند الله وعند خلقه، ويؤثر في نقصان العقل، ويمحق بركة العمر، ويضعف في القلب تعظيم الله، ويوجب الفقر، ويكسو صاحبه سواد الوجه وثوب المقت بين الناس.
ومن مفاسده أيضاً: أنه يشتت القلب ويمرضه، ويجلب الهم، والحزن، والخوف، ويباعد صاحبه من الملك، ويقربه من الشيطان، وليس بعد مفسدة القتل مفسدة أعظم من الزنا، فلهذا شرع فيه القتل على أشنع الوجوه وأفحشها وأصعبها، ولو بلغ العبد أن امرأة من نسائه قُتِلت لكان أسهل عليه من أن يبلغه أنها زنت.
وروي أن الجزاء من جنس العمل، فإن الله سبحانه وتعالى قد ينتقم من هذا الزاني بأن يسلط على عرضه من لا يتقي الله فيه، فينال من عرضه كما نال هو من أعراض الناس، يقول بعض الشعراء: يا هاتكاً حُرَم الرجال وتابعاً طرق الفساد فأنت غير مكرَّمِ من يزن في قوم بألفي درهم في أهله يزنى بربع الدرهم إن الزنا دَين إذا استقرضته كان الوفا من أهل بيتك فاعلم وصف بعض العلماء آثار هذه الفاحشة المدمرة فقال: عاره يهدم البيوت الرفيعة، ويطأطئ الرءوس العالية، ويسود الوجوه البيض، ويصبغ بأسود من القار أنصع العمائم بياضاً، ويخرق الألسنة البليغة، ويبدل أشجع الناس من شجاعتهم جبناً لا يدانيه جبن، ويهوي بأطول الناس أعناقاً وأسماهم مقاماً وأعرقهم عزاً إلى هاوية من الذل والازدراء والحقارة، ليس لها من قرار.
وهو أقدر أنواع العار على نزع ثوب الجاه مهما استتر، ونباهة الذكر مهما بعدت، وإنبات ثوب من الخمول ينبو بالعيون عن أن تلفت إلى من كان في بيوتهم لفتة احترام.
وهو -أي الزنا- لطخة سوداء إذا لحق التاريخ أسرة غمرت كل صحائفه البيض، وتركت العيون لا ترى منها إلا سواداً حالكاً.
وهو الذنب الظلوم الذي إن كان في قوم لا يقتصر على شين من قارفته من نسائهم، بل يمتد شينه إلى من سواها منهم، فيشينهن جميعاً شيناً يترك لهم من الأثر في أعين الناظرين ما يقضي على مستقبلهن النسوي، وهو العار الذي يطول عمره طولاً، فقاتله الله من ذنب، وقاتل فاعليه! يقول الحافظ ابن القيم رحمه الله تعالى: ومفسدة الزنا مناقضة لصلاح العالم، فإن المرأة إذا زنت أدخلت العار على أهلها وزوجها وأقاربها، ونكست رءوسهم بين الناس، وإن حملت من الزنا فإن قتلت ولدها جمعت بين الزنا والقتل، وإن أبقته حملته على الزوج فأدخلت على أهلها وأهله أجنبياً ليس منهم، فورثهم وليس منهم، ورآهم وخلا بهم وانتسب إليهم وليس منهم.
وأما زنا الرجل فإنه يوجب اختلاط الأنساب أيضاً، وإفساد المرأة المصونة وتعريضها للتلف والفساد، ففي هذه الكبيرة خراب الدين والدنيا.