[موقف الإسلام من التراث]
وهنا أمر مهم جداً ينبغي أن ننتبه له، وهو كلمة قالها وزير خارجية طالبان -وهو وكيل أحمد المتوكلي - بمنتهى الدقة، قال: نحن نقر أن التماثيل جزء من تراث أفغانستان، ولكننا سنتخلص من ذلك الجزء من تراثنا الذي يتعارض مع عقيدتنا.
كلمة حكيمة في الحقيقة، فصحيح أن ذلك تراث، لكن ذلك التراث سنعمل له تصفية بحيث نبقي ما لا يتعارض مع العقيدة، بل يتوافق معها.
فوجود هذه الآثار فيه عظة لمن يعتبر، ولذلك أمر الله بالنظر في آثار السابقين لأنها عبرة؛ لأنهم كانوا أشد منا قوة، فلما عتوا عن أمر ربهم نزل بهم العذاب واستأصلهم، فتلك ديارهم لم تسكن من بعدهم إلا قليلاً.
فالتعميم كذلك فيه نوع من الظلم، والموقف واضح للغاية، فالتراث عندنا يفرز، فما يتعارض مع العقيدة يزال، وما لم يتعارض مع العقيدة فلا بأس به، لذلك ترك الصحابة أشياء غير التماثيل، وإلا فلن يعجزوا عن تحطيمها كما سنبين إن شاء الله تعالى.
ولذلك أعلنت طالبان نفسها أنها لن تدمر الآثار القديمة التي ليست على شكل تماثيل، وأعيد عبارة وزير خارجية طالبان، يقول: نحن نقر أن التماثيل جزء من تراث أفغانستان، ولكننا سنتخلص من ذلك الجزء من تراثنا الذي يتعارض مع عقيدتنا.
ومن الأشياء التي لا يعلمها كثير من الناس أن الجزيرة العربية مليئة بالآثار، فنحن نتكلم عن أماكن الآثار كالأقصر وأماكن الفراعنة الكبيرة، بينما في الجزيرة العربية في منطقة ديار ثمود عجائب وعجائب، فديار ثمود -قوم صالح- نفسها موجودة، والذي يذهب من مصر أو الشام إلى الحجاز عن طريق البر يمر وهو على طريق المدينة فيجد السهم يؤدي إلى هذه الأشياء.
ولقد رأيت بنفسي صوراً لديار ثمود، فالجبال نفسها منحوتة من الداخل -البيوت والسلالم والنوافذ- نحتاً عجيباً يدل على مدى قوة هؤلاء القوم الذين أهلكهم الله سبحانه وتعالى.
فهذه آية من آيات الله، ولن نتكلم الآن في التفصيل في حكم زيارة هذه الأماكن؛ لأن هناك تفصيلاً فيها، لكننا ننبه على أن هذه الأشياء ما دمرها الصحابة، وهي موجودة، والرسول عليه الصلاة والسلام مر بها، وأمر الصحابة أن لا يمروا بهؤلاء المعذبين إلا أن يكونوا باكين.
فهي موجودة وهي آثار، والرسول عليه الصلاة والسلام رآها، ولكن مر عليها بسرعة؛ لأنها ديار أولئك المعذبين، فهي لا تزال شاخصة موجودة في الجزيرة العربية.
وكذلك بيوت اليهود في خيبر، ولقد دخلتها، فبيوت اليهود في خيبر على أطم عالٍ، وكان هناك ثقب في الأسلاك الشائكة فدفعني الفضول إلى أن أصعد إلى أن وصلت، وهي موجودة حتى الآن في خيبر، ولكن علماء السعودية -جزاهم الله خيراً- يقومون بواجبهم في الاحتياط الشديد من هذه الأشياء، ولذلك هي مهجورة.
ومما يدل على حرصهم وانتباههم للوسائل التي قد تؤدي إلى محذور أنه حصل في يوم من الأيام أن بعض الناس من أصحاب النوايا الحسنة أتوا إلى بيت الإمام شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب رحمه الله تعالى، وأعادوا بناءه من جديد بنفس اللبن الطيني الذي كان بني به، وأرادوا بذلك الاهتمام بتراث شيخ الإسلام محمد بن عبد الوهاب، ونشر هذا الخبر في إحدى الصحف، فالعلماء بمجرد أن سمعوا ذلك أصدروا أمراً بهدم هذا البيت؛ لكي لا يفتح باب الغلو في شيخ الإسلام رحمه الله تعالى، وأمروا بأن يتخذ مكانه توسعة للشارع حتى ينسى تماماً موضوع بيت شيخ الإسلام، وممن أفتى بذلك الشيخ محمد بن إبراهيم والشيخ ابن باز رحمهما الله، وهناك أيضاً فتوى في موضوع دار الأرقم بن أبي الأرقم.
ومما احتاطوا فيه كذلك موضوع المكان الذي ولد فيه النبي عليه السلام، وهو الآن المكتبة التي هي قريبة من الحرم، فهناك احتياط شديد لعقيدة الناس، والعلماء رأيهم أنه مهما أخذت من احتياطات فالجهال لا يقتنعون، ولعلك ترى بعينيك ما يفعلون أمام المقصورة النبوية، فالسياج من النحاس يتمسحون به، ويغافلون الحارس لكي يأخذوا قبلة، ويتمسحون بثيابهم.
إلى آخر هذه الأشياء! فالغلو أصلاً موجود، والجهل شائع بين الناس، فلابد من الاحتياط في أمر العقيدة ما أمكن.
وقد كتب فهمي هويدي للأسف الشديد، وأنا لا أعرف دراية فهمي هويدي بالفقه! ودعك من السياسة والتحليلات والكلام كله، فما له وللفقه يتكلم فيه! فهو يضع نفسه في مواضع نسأل الله أن يسامحه فيها، ومن ذلك كلامه على الشيعة، والكلام كله غير صحيح، وكذلك كلامه في موضوع الأصنام حيث يقول كلاماً غريباً، يقول: وبعض الصحابة الذين دخلوا إلى مصر ذهبوا إلى الأهرامات وكتبوا أسماءهم عليها، وكأنه يرى أنهم أصحاب ذكريات، ولم يبق لهم إلا أن يرسموا عليها قلوباً تخترقها أسهم كما يصنع الشباب اليوم!