للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[قاعدة: السنة هي الأصل والبدعة طارئة عليها]

من الأمور المهمة التي نحتاج إلى ذكرها وهي في غاية الأهمية: أن السنة هي الأصل، أما البدع فهي طارئة عليها، يعني: إذا استتبعنا تاريخ ظهور البدع نعرف أن البدع تأخرت إلى أواخر عهد الصحابة رضي الله تعالى عنهم، وتصدى الصحابة لهذه البدع، فبعض الناس قد يسأل: منذ متى بدأ المنهج السلفي؟ ما هي بداية تاريخ أهل السنة والجماعة؟ متى ظهرت هذه الفرقة بهذا الاسم؟ عندما نتناول لقباً شريفاً كلقب أهل السنة والجماعة فإننا نعنى بالبحث عن نشأته أو بداية التميز باسم أهل السنة والجماعة كدلالة على اتجاه معين واعتقاد متميز، لكن لا نسأل أبداً عن تاريخ بداية مذهب أهل السنة والجماعة أو المنهج السلفي، ولا يصح أبداً السؤال عن بدايته ومتى بدأ؟ كل فرقة يصح أن تسأل عنها: متى بدأت؟ ومن أسسها؟ إلا أهل السنة كما سيأتي إن شاء الله تعالى.

يقول شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله تعالى: وطريقتهم -أي: أهل السنة- هي دين الإسلام.

إذاًً: كلمة أهل السنة والجماعة هي الإسلام، يعني: أن هذا الشخص من أهل السنة أنه مسلم خال من البدع والضلالات التي شاعت في الفرق، فهذا يدل على أن التميز باسم أهل السنة والجماعة حصل عندما حدث الافتراق الذي أخبر به النبي صلى الله عليه وسلم؛ لأنه قبل ظهور الفرق لم يكن ظهر شيء من تلك المصطلحات مثل التسنن أو التشيع، كان الإسلام والمسلمون هم الاسم وهم المسمى {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الإِسْلامُ} [آل عمران:١٩] أما تحديد بداية هذا التميز فيقول الدكتور مصطفى حلمي حفظه الله تعالى: كان المسلمون على ما كان عليه رسول الله من الهدى ودين الحق الموافق للصحيح المنقول، والصريح المعقول، فلما قتل عثمان بن عفان رضي الله تعالى عنه وأرضاه ووقعت الفتنة واقتتل المسلمون بصفين؛ مرقت مارقة الخوارج التي قال فيها النبي صلى الله عليه وسلم: (تمرق مارقة على حين فرقة من المسلمين يقتلهم أولى الطائفتين بالحق) وكان مروقها لما حكم الحكمان، وافترق الناس على غير اتفاق، فهذا أول صدع في وحدة العقيدة في الجماعة المسلمة، فحركة الخوارج تعتبر أقدم انشقاق ديني حدث في صفوف الأمة.

ثم حدث بعد بدعة الخوارج بدعة التشيع، وتصدى لهم الصحابة، فمثلاً: السبابة الذين كانوا يسبون أبا بكر وعمر لما بلغ ذلك علياً رضي الله تعالى عنه طلب ابن السوداء الذي تكلم بهذا الكلام وقيل: إنه أراد قتله، فهرب، وهو رأس الشيعة الذين غلوا وادعوا في علي الألوهية، وادعوا أن النبي عليه الصلاة والسلام نص على إمامته، وجمعوا إلى ذلك سب أبي بكر وعمر وقد عاتب أمير المؤمنين علي رضي الله عنه الخوارج وقاتلهم، أما مبتدعة الشيعة الذين زعموا فيه الألوهية فأمر بإحراقهم وقال في البيت المعروف: لما رأيت الأمر أمراً منكراً أججت ناري ودعوت قنبرا أما المفضلة الذين كانوا يفضلون علياً على أبي بكر وعمر فروي عنه أنه قال: (لا أوتى بأحد يفضلني على أبي بكر وعمر إلا ضربته حد الفرية)، وتواتر عنه أنه كان يقول على منبر الكوفة: (خير هذه الأمة بعد نبيها أبو بكر، ثم عمر).

وفي بداية الأمر الابتداع لما ظهر لم يكن في الغالبية العظمى والقاعدة العريضة من المسلمين الذين التزموا بالسنة والجماعة، وكانوا غير محتاجين للتميز بهذا اللقب؛ لأنهم الأصل الذي انشق عنه المخالفون، فما احتاجوا إلى التميز باسم من الأسماء، ثم طرأت بعد ذلك الفرق الضالة المنحرفة، فالأصل ليس بحاجة إلى ما يميزه، إنما الذي يحتاج لاسم يميزه هو الفرع المنشق الذي سرعان ما يشتهر ببدعته حينما يتنكب السبيل.

أحد الأئمة الأذكياء دخل على أحد الخلفاء وعنده أحد الرافضة مقدماً ومعظماً فقال له: يا أمير المؤمنين! كيف تقرب الرافضة وقد سرقوا نعل رسول الله صلى الله عليه وسلم؟! فانبرى له ذلك الرافضي فقال: لا تصدقه يا أمير المؤمنين! فإن الشيعة لم يكونوا على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقال ذلك العالم: هذا ما كنا نبغي، أن تعترف بلسانك أنكم فرقة طارئة على الأصل، فرقة طارئة يمكن تحديد بدايتها، ومن الذي أسسها، أما أهل السنة والجماعة فلا يحتاجون إلى السؤال عن بداية المذهب أو متى نشأ، بدايته لما نزل جبريل في ليلة القدر في غار حراء على النبي صلى الله عليه وآله وسلم.

أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم.

سبحانك اللهم ربنا وبحمدك، أشهد أن لا إله إلا أنت، أستغفرك وأتوب إليك.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.