أما النوع الثاني من أنواع الجهاد -وهو جهاد الدفاع- فحكمه فرض عين على المسلمين عموماً، حتى يندفع شر الأعداء، وهذا بإجماع المسلمين.
يقول الإمام القرطبي رحمه الله تعالى: إذا تعين الجهاد لغلبة العدو على قطر من الأقطار، أو بحلوله العقرى، فإذا كان ذلك وجب على جميع أهل تلك الدار أن ينفروا ويخرجوا إليه خفافاً وثقالاً، شباباً وشيوخاً، كل على قدر طاقته، ولا يتخلف أحد يقدر على الخروج من مقاتل أو مكثر، فإن عجز أهل تلك البلدة عن القيام بعدوهم، كان على من قاربهم وجاورهم أن يخرجوا على حسب ما لزم أهل تلك البلدة، حتى يعلموا أن فيهم طاقة على القيام بهم ومدافعتهم، وكذلك كل من علم بضعفهم عن عدوهم، وعلم أنه يدركه ويمكنه غياثهم لزمه أيضاً الخروج إليهم، فالمسلمون كلهم يد على من سواهم، حتى إذا قام بدفع العدو أهل الناحية التي نزل العدو عليها، سقط الفرض عن الآخرين، ولو قارب العدو دار الإسلام ولم يدخلوها؛ لزمهم أيضاً الخروج إليه، حتى يظهر دين الله، وتحمى البيضة، وتحفظ الحوزة، ويخزى العدو، ولا خلاف في هذا.
إذاً: لا خلاف في أن جهاد الدفاع فرض عين على الجميع كما أشرنا.
وهنا تنبيه مهم جداً فيما يتعلق بهذين النوعين:(جهاد الطلب) و (جهاد الدفاع)، فقد ذكر العلماء أنه لا خلاف في أن أحكام الجهاد المتقدمة تقع إذا كان للمسلمين دار وسلطان، وكان بهم قوة على الجهاد، وأما إذا لم يكن لهم قوة ولا دار ولا سلطان، فهذا ما سنوضحه -إن شاء الله تعالى- فيما بعد، في البحث حول مراحل تشريع الجهاد، ونكتفي الآن بهذا القدر، وأقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم.