أيضاً من وسائل الثبات على الدين التربية الإيمانية الواعية العلمية المتدرجة، فالتربية الإيمانية العلمية الواعية هي التي تكون بصيرة بأعداء الإسلام وحيل شياطين الإنس والجن، وهي التي تثمر وقت المحن الثبات على دين الله تبارك وتعالى، تربية لا تقوم على الإمعية ولا على التقليد المذموم للآخرين، إنها تربية واعية تعرف سبيل المجرمين فكشف سبيل المجرمين، وفضح خطط أعداء الإسلام هدف أو غاية من غايات هذه البعثة وهذه الرسالة:{وَكَذَلِكَ نُفَصِّلُ الآيَاتِ وَلِتَسْتَبِينَ سَبِيلُ الْمُجْرِمِينَ}[الأنعام:٥٥]، فالإنسان لا يكن مغفلاً، لا بد أن يعايش عصره بأن يدرك ويكون واعياً لخطط أعداء الإسلام ووسائلهم في استدراجه إلى طريق الشيطان، وكلما ثقلت جرعة التربية وطال أمدها رجي منها الثبات أكثر عند المحن، لذلك تجد في حياة النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن الصحابة الذين تربوا على العقيدة وحصلوا على أكبر قدر من التربية النبوية كانوا أكثر ثباتاً من غيرهم، بخلاف حديثي العهد بالإسلام كما حصل -مثلاً- في غزوة حنين، هؤلاء الذين نفروا وفروا كانوا من حديثي العهد بالإسلام، لم يحظوا بقدر وافر من تربية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، لكن انظر إلى بلال وإلى خباب وإلى آل ياسر وإلى مصعب بن عمير، فـ خباب بن الأرت كانت مولاته تحمي أسياخ الحديد حتى تحمر ثم تطرحه عليها عارياً فلا تنطفئ الأسياخ إلا من ودك ظهره -أي: شحم ظهره- حين يسيل وينصهر، فما الذي جعله يصبر على هذا كله؟ ما الذي جعل بلالاً يصبر في الرمضاء، وسمية تصبر في الأغلال والسلاسل على العذاب؟ هو أنهم حظوا بقدر أكبر من تربية النبي صلى الله عليه وآله وسلم، وفي حنين -كما ذكرنا- الذين انهزموا كانوا ممن هم حديثوا عهد بالإسلام؛ لأنهم لم يكونوا قد حظوا بقدر أكبر من هذه التربية، ولذلك مدح الله السابقين الأولين من المهاجرين والأنصار.