للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[مفهوم السنة]

السنة: هي الطريقة أو السيرة، حميدة كانت أو ذميمة، ومن استعمال السنة لهذا المعنى اللغوي العام قوله عليه الصلاة والسلام: (من سن في الإسلام سنة حسنة ومن سن في الإسلام سنة سيئة)، وتطلق السنة ويراد بها السيرة الحميدة المستقيمة، يقال: فلان من أهل السنة، أي: من أهل الطريقة المستقيمة المحمودة.

أما في الشرع فتطلق السنة على عدة معان: منها: أنها تطلق على سيرة الرسول صلى الله عليه وسلم، وعند المحدثين: هي ما أثر عن النبي صلى الله عليه وسلم من قول أو فعل أو تقرير أو صفة، وعند الفقهاء: السنة ما ليس بواجب.

أي: طلب فعله طلباً غير جازم، بحيث يثاب فاعله ولا يأثم تاركه، وتسمى: الإحسان، والنافلة، والندب، والمستحب، والسنة، هذا عند الفقهاء.

وتطلق -أيضاً- على ما يقابل البدعة، كما قال الحافظ ابن حزم رحمه الله: وأهل السنة الذين نذكرهم أهل الحق، ومن عداهم فأهل البدعة.

ولا يعنينا الآن تتبع تلك الاصطلاحات، إنما الذي يعنينا أن نعرف بمصطلح السنة أو أهل السنة كدلالة على اتجاه معين في الاعتقاد.

يقول الحافظ ابن رجب رحمه الله تعالى: السنة طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي كان عليها هو وأصحابه، السالمة من الشبهات والشهوات.

ثم صار في عرف كثير من العلماء من أهل الحديث وغيرهم أن السنة عبارة عما سلم من الشبهات في الاعتقادات، خاصة في مسائل الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر، وكذلك مسائل القدر وفضائل الصحابة رضي الله عنهم.

وصنفوا في هذا العلم تصانيف سموها كتب السنة، وخص هذا الاصطلاح السنة بأمور العقيدة؛ لأنها أهم فقه من الدين وأهم جزء من الدين، ولذلك صنف كثير من العلماء -خاصة في القرون الأولى- مصنفات تحت اسم السنة، وليس فيها إلا مسائل الاعتقاد، كالسنة لـ ابن أبي عاصم والشريعة للآجري، وهكذا، وإنما قصد هذا العلم باسم السنة لأن خطره عظيم، والمخالف فيه على شفا هلكة.

وتطلق السنة على ما كان عليه السلف الصالح في مسائل الإمامة والتفضيل، مسألة من أولى بالإمامة من غيره، والكف عما شجر بين الصحابة رضي الله عنهم، وهذا من الإطلاق للسنة على بعض مسمياتها، كما يقال: تسمى الصلاة إيماناً، والطهور إيماناً، فيطلق اسم الإيمان على جزئياته، وكذلك السنة تطلق على بعض مسمياتها؛ لأنهم يريدون بمثل هذا الإطلاق التنبيه على أن المسمى ركن أعظم وركن أكبر، كقوله صلى الله عليه وسلم: (الحج عرفة)، لكن هل الحج عرفة فقط؟ أي: هل الواجب الوحيد في الحج أو الركن الوحيد هو عرفة؟ كلا، فهناك أشياء كثيرة غير وقفة عرفات، لكن المقصود أن هذا أهم أركان الحج.

أو لأنه الوصف الفارق بينهم وبين غيرهم في الاعتقاد، فهو الذي يميز أهل السنة عن غيرهم من أهل البدع.

وقد كان الصحابة رضي الله تبارك وتعالى عنهم مقتدين بالنبي صلى الله عليه وسلم مهتدين بهديه، وقد جاء مدحهم في القرآن الكريم، وأثنى عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي كان خلقه القرآن، فالقرآن هو المتبوع حقيقة، فحينما نقول: أهل السنة، أو: سنة النبي عليه الصلاة والسلام نجملها بقول عائشة: (كان خلقه القرآن)، فالسنة هي المبينة لكتاب الله تبارك وتعالى، لكن النبي صلى الله عليه وسلم كان خلقه القرآن، فالمتبوع في الحقيقة هو القرآن، لكن السنة تأتي كمذكرة تذكيرية لما في القرآن، وقد تأتي -أيضاً- بأحكام مستقلة، فمن اتبع السنة اتبع القرآن، والصحابة كانوا أولى الناس بذلك، فكل من اقتدى بهم فهو من الفرقة الناجية التي روي في صفتها: (ما أنا عليه اليوم وأصحابي)، وهم المقصودون في رواية أخرى مفسرة، وهي قوله عليه الصلاة والسلام: (وهم الجماعة) لأن الجماعة في وقت الإخبار كانوا على ذلك الوصف، وقد قال ابن مسعود رضي الله عنه: (الجماعة ما وافق الحق وإن كنت وحدك)، وقال أبو شامة: حيث جاء الأمر بلزوم الجماعة فالمراد به لزوم الحق واتباعه، وإن كان المتمسك بالحق قليلاً والمخالف له كثيراً؛ لأن الحق هو الذي كانت عليه الجماعة الأولى من عهد النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه، ولا نظرة إلى كثرة أهل الباطل بعدهم.

فلفظ السنة -كما ذكرنا- ينبئ عن اتباع القرآن في شخص رسول الله عليه الصلاة والسلام الذي كان خلقه القرآن، وأيضاً لفظ السنة يتناول العبادات والاعتقادات، ثم خصت بالقسم الأهم وهو العقيدة، لاسيما المسائل التي شذ فيها أهل البدع.

فالسنة أساساً هي طريقة النبي صلى الله عليه وسلم التي تبين معاني القرآن، ثم السنة هي طريقة الصحابة الذين مدحهم القرآن والسنة وطبقوهما تطبيقاً عملياً، ثم السنة تشمل بعد ذلك العبادات والاعتقادات، ثم خصت بالاعتقادات؛ لأنها أشد خطراً من العبادات، ومما يميز أهل السنة الاعتقادات التي شذ فيها أهل البدع عن أهل السنة، فامتاز بها أهل السنة والجماعة، مثل: السنة والشيعة؛ لأن هذا الاصطلاح يراد به التمييز بين موقف كلا الفريقين من الصحابة ومن الأئمة.