وقال يونس الصدفي: ما رأيت أعقل من الشافعي، ناظرته يوماً في مسألة، ثم افترقنا ولقيني فأخذ بيدي، ثم قال: يا أبا موسى! ألا يستقيم أن نكون إخواناً وإن لم نتفق في مسألة.
وعن يونس بن عبد الأعلى قال: قال لي الشافعي: يا يونس! إذا بلغك عن صديق لك ما تكرهه، فإياك أن تبادره بالعداوة وقطع الولاية، فتكون ممن أزال يقينه بشك، ولكن القه وقل له: بلغني عنك كذا وكذا، واحذر أن تسمي له المبلغ، فإن أنكر ذلك فقل له: أنت أصدق وأبر، لا تزيدن على ذلك شيئاً، وإن اعترف بذلك فرأيت له في ذلك وجهاً لعذر فاقبل منه، وإن لم تر ذلك فقل له: ماذا أردت بما بلغني عنك؟ فإن ذكر ما له وجه من العذر فاقبل منه، وإن لم تر ذلك وجهاً لعذر وضاق عليك المسلك فحينئذ أثبتها عليه سيئة، ثم أنت في ذلك بالخيار إن شئت كافأته بمثله من غير زيادة، وإن شئت عفوت عنه، والعفو أقرب للتقوى وأبلغ في الكرم؛ لقوله تعالى:{وَجَزَاءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِثْلُهَا فَمَنْ عَفَا وَأَصْلَحَ فَأَجْرُهُ عَلَى اللَّهِ}[الشورى:٤٠]، فإن نازعتك نفسك بالمكافأة ففكر فيما سبق له لديك من الإحسان فعدها، ثم اذكر له إحساناً بهذه السيئة، ولا تبخس باقي إحسانه السالف لهذه السيئة فإن ذلك الظلم بعينه.
يا يونس! إذا كان لك صديق فشد يديك به، فإن اتخاذ الصديق صعب ومفارقته سهل.