للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[دلالات الأمر بالتسبيح]

قال تعالى: {فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ إِنَّهُ كَانَ تَوَّابًا} [النصر:٣] قوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) هذا أمر للنبي صلى الله عليه وسلم بأن ينزه ربه سبحانه وتعالى عن أن يترك الحق ويدعه للباطل فيهزمه، فمن سوء الظن بالله سبحانه وتعالى أن يُظَنَّ بالله تعالى أنه يترك المسلمين دائماً في حال ضعف وانهزام، ويترك الباطل دائماً في حال علو واستكبار في الأرض، لكن كما قال عز وجل: {وَتِلْكَ الأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ النَّاسِ} [آل عمران:١٤٠]، فالأيام دواليك، يوم لك ويوم عليك، فهذه سنة الله سبحانه وتعالى: {وَلَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِنْ لِيَبْلُوَ بَعْضَكُمْ بِبَعْضٍ} [محمد:٤] فهي ابتلاءات وقعت للمرسلين والأنبياء، ووقعت للعلماء ووقعت للصالحين، فلا بد من أن تدور الأيام دورتها، فلا يفرح أهل الباطل ولا ييأسن أهل الحق، فكلمة الله ظاهرة ولا شك في ذلك؛ لأن من وقع في مثل هذا الظن فإنه يدخل في قوله تعالى في سورة الفتح: {وَيُعَذِّبَ الْمُنَافِقِينَ وَالْمُنَافِقَاتِ وَالْمُشْرِكِينَ وَالْمُشْرِكَاتِ الظَّانِّينَ بِاللَّهِ ظَنَّ السَّوْءِ} [الفتح:٦] فكون المسلم يعتقد بالله أن يترك الله أولياءه ويخذل دينه ويعلي عليه كلمة الكفر والكفار والمشركين هو من سوء الظن بالله سبحانه وتعالى، بل لا بد من أن يتحقق -كما أخبر النبي صلى الله عليه وآله وسلم- النصر للمؤمنين والعاقبة للمتقين.

وتنزيه الرسول صلى الله عليه وسلم لربه سبحانه وتعالى بواسطة حمده والثناء عليه بأنه القادر الذي لا يغلبه غالب، والحكيم الذي إذا أمهل الكافرين فإنما لينتقم منهم وينصر المؤمنين، فلن يضيع أجر العاملين، ولن يفلح عمل المفسدين، وهو البصير سبحانه بما في قلوب المخلصين والمنافقين، فلا يذهب عليه رياء المرائين.

فقد قرن الله سبحانه وتعالى التسبيح بالحمد كثيراً.

قوله: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ وَاسْتَغْفِرْهُ) هذا له ارتباط بأول السورة؛ لأن أول السورة فيه دلالة على كمال مهمة الرسول صلى الله عليه وسلم، فقوله: (إِذَا جَاءَ نَصْرُ اللَّهِ وَالْفَتْحُ) يعني: لقد اكتملت رسالتك، وأديت أمانتك، وأتى نصر الله للمؤمنين ولدين الله سبحانه وتعالى، وجاء الفتح العام على المسلمين لبلاد الله، إما بالفعل وإما بالوعد الصادق، وهذه نعمة تستوجب الشكر والثناء والحمد لله سبحانه وتعالى، فلذلك قال: (فَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ) فكان التسبيح مقترناً بالحمد في مقابل ذلك.

قوله: (بِحَمْدِ رَبِّكَ) أي أنه سبحانه وتعالى المتفضل بهذه النعم، كما جاء في سورة الضحى: {مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى} [الضحى:٣]، وقال في سورة العلق: {اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ} [العلق:١]، وقال: {اقْرَأْ وَرَبُّكَ الأَكْرَمُ} [العلق:٣] فترتبط وتقترن الربوبية بالإنعام؛ لأن الرب هو الذي يربي وينعم على مربوبه.