يجب على الإنسان أن يبذل جهده في معرفة أسماء الله وصفاته حتى يبلغ درجة اليقين، وبحسب علم العبد بربه تكون درجة إيمانه، فكلما ازداد معرفة بربه ازداد إيمانه، والطريق الشرعي للعلم بالله وبأسمائه وصفاته هو تدبر القرآن والسنة وما جاء فيهما.
ثم إن الله سبحانه وتعالى خلق الخلق ليعبدوه، كما قال تعالى:{وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالإِنسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ}[الذاريات:٥٦] أي: ليعبدوني وحدي، ولا يمكن أن يعبدوه دون أن يعرفوه، فلابد من معرفتهم له سبحانه ليحققوا الغاية المطلوبة منهم، والحكمة من خلقهم، والعبادة لا تصح من الكافر؛ لأن الكافر لا تصح نيته، والمؤمن تصح منه العبادة؛ لأنه ينوي التقرب بها إلى الله، والكافر لا يعرف الله، فكيف تصح منه العبادة لو أتاها دون أن يدخل في الإسلام؟! فالنصراني -مثلاً- إذا صلى أو حج أو فعل أي شيء من أفعال القرب يتقرب به إلى المسيح فقد أخطأ وضل الطريق، كما وصفهم الله بالضالين، فلا يمكن أن تصح عبادته وهو لا يعرف الله، ولا يعرف ما الذي يليق به، وما الذي ينبغي أن ينزه الله سبحانه وتعالى عنه، فالاشتغال بمعرفة الله عز وجل هو اشتغال بما خلق العبد من أجله، فالوظيفة التي خلقت من أجلها أيها الإنسان! أن تعرف الله؛ لأنه لا يمكن أن تعبده وأنت لا تعرفه، وترك هذا العلم وتضييعه إهمال لما خلقت له، وقبيح بعبد لم تزل نعم الله عليه متواترة، وفضله عليه عظيماً متوالياً من كل وجه أن يكون جاهلاً بربه معرضاً عن معرفته ومعرفة أسمائه وصفاته.
والعالم بالله تعالى حقيقة يستدل بما علم من صفاته وأفعاله على ما يفعله وعلى ما يشرعه من الأحكام؛ لأن الله لا يفعل إلا ما هو من مقتضى أسمائه وصفاته، فأفعاله دائرة بين العدل والفضل، وكذلك لا يشرع ما يشرعه من الأحكام إلا على حسب ما اقتضاه حمده وحكمته وفضله وعدله، فأخباره كلها حق وصدق، وأوامره ونواهيه عدل وحكمة، وهذا العلم أعظم وأشهر من أن ينبه عليه، كما قال الشاعر: وكيف يصح في الأذهان شيء إذا احتاج النهار إلى دليل قال أبو القاسم التيمي الأصبهاني في بيان أهمية معرفة الأسماء الحسنى: قال بعض العلماء: أول فرض فرض الله على خلقه معرفته؛ فإذا عرفه الناس عبدوه.
يعني: أن معرفة الله هي أول فرض أوجبه الله على عباده، فإذا عرفه الناس عبدوه، قال الله تعالى:{فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ}[محمد:١٩]، وبدأ القرآن بالبسملة: بسم الله الرحمن الرحيم، يعني: أن أول شيء في القرآن هو البسملة، وفيها البداءة بأسماء الله: الله، الرحمن، الرحيم، ونزل الوحي أول ما نزل آمراً النبي صلى الله عليه وسلم بأن يتدبر آيات الله كلها من خلال النظر في أسمائه الحسنى، قال تعالى:{اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ}[العلق:١]، فليس من علم ولا فهم إلا ويوصل إليه من خلال أسماء الله عز وجل الحسنى، والعلم بالأسماء الحسنى هو أساس قبول الدعاء؛ فإنك إذا لم تعرف من تدعوه فكيف تتوجه إليه؟! وإذا لم تعرف صفاته فكيف تتوجه إليه بالدعاء؟! ولذلك مما يدل على توجه العبد بالدعاء إلى الله سبحانه وتعالى معرفته بأسماء الله وصفاته.
والدعاء يرادف في القرآن العبادة ويعتوران، يعني: يتبادلان المواقع، فأحياناً تعبر العبادة عن الدعاء والعكس؛ لأن الدعاء من أظهر أنواع العبادة، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم:(الدعاء هو العبادة، وقرأ قوله تعالى:{وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ إِنَّ الَّذِينَ يَسْتَكْبِرُونَ عَنْ عِبَادَتِي سَيَدْخُلُونَ جَهَنَّمَ دَاخِرِينَ}[غافر:٦٠]) فمجرد توجهك في الدعاء إلى الله له معانٍ كثيرة جداً منها: إثبات وجود الله؛ لأن العدم لا يدعى، ومنها: إثبات رحمة الله؛ لأن القاسي لا يدعى، ومنها: إثبات كرم الله وجوده؛ لأن البخيل لا يدعى، وإثبات كذا وكذا وكذا من الصفات التي بها يدلل على إيمانك بها.
كذلك العلم بأسماء الله الحسنى ينشئ حب الله تبارك وتعالى، ويقويه في قلب المؤمن؛ لما فيها من كمال وجلال وجمال.
قال بعض أهل العلم: لو أراد رجل أن يتزوج من رجل أو يزوجه أو يعامله طلب أن يعرف اسمه وكنيته واسم أبيه وجده، وسأل عن صغير أمره وكبيره، فالله الذي خلقنا ورزقنا ونحن نرجو رحمته ونخاف من سخطته أولى أن نعرف أسماءه وتفسيرها.