أما الطفل فلا تجعل له حصة خاصة بالتربية والتأديب؛ بل إنّ سلوكياتك أمامه هي دروس وتعليم، ولذلك إذا نشأ الطفل في بيت كل من فيه يحترم آداب الاستئذان؛ فإنه لا يحتاج أن يتعلم هذه الآداب؛ بل تصبح جزءاً من كيانه، فيعرف أن الاستئذان يكون كذا، وإذا وجد كل من يعطس في البيت يقول: الحمد لله، ثم يجاب عليه: يرحمكم الله، ثم يجاب عليه بكذا، فإنه سيفعل نفس السلوك تلقائياً بالتلقين والتقليد والمحاكاة، فأفضل شيء أن تغرس فيه منذ نعومة أظفاره هذه الآداب، فتصبح جزءاً من هويته ومن كيانه، بحيث لا يحصل أي عناء على الإطلاق في التفاعل مع هذه الآداب.
وإذا بدأ الطفل يعي فلك أن تعلمه هذه الآداب في وقتها وحينها، فإذا أوقفته عند الباب فقل له مثلاً: قبل أن تدخل تقول: السلام عليكم، أأدخل؟ ويحاول أن ينطق الكلمة، فإذا قال ذلك فتعطيه هدية، وتشجعه على التزامه بهذا الأمر، وربما تحكي للآخرين أن هذا الطفل فعل كذا وكذا أمامه، والآخرون يظهرون انبهاراً بذلك، فيشعر أنه أتى بشيء عظيم، وشيء محبوب، ثم إذا قصر مرة أو مرتين أو عاند فلا تلح عليه أو تضغط عليه أو توبخه، وإنما تتركه إلى أن يتعود على ذلك، وتصبح عادة راسخة فيه.
وإذا عطس أحد ولم يحمد الله، وقال له الطفل: يرحمك الله، فتفهمه مسألة جديدة، فتقول له: لا تقل له: يرحمك الله؛ لأنه لم يحمد لله، فأنت تغرس له أن الذي يعطس وما يقول: الحمد لله، لا تقل له: يرحمك الله، ويصعب أن تفهم الطفل نص الحديث بصورة نظرية، لكن عندما يعطس عاطس ولم يحمد الله فإن الطفل سيقول له: يرحمك الله؛ لأنه تعود على ذلك، فأنت تقول له: لا تقل له؛ لأنه لا يستحق أن نقول له: يرحمك الله؛ لأنه لم يقل: الحمد لله، فتضيف له مسألة جديدة، مع الإلحاح والقدوة العملية؛ فإنها تغرس هذه المفاهيم.