[وظيفة البيت في التربية وأهميتها]
مرحلة الطفولة الإنسانية في بني الإنسان أطول منها في سائر الكائنات الحية الأخرى، وما كان ذلك كذلك إلا من أجل أن تتوافر فترة أطول لتربية هذا الكائن المتميز، مما يؤكد خطورة وظيفة البيت في التربية؛ لأن المدارس الإسلامية في العالم الإسلامي الآن قليلة مع وجود كثير من القيود، وفي بعض البلاد تقوم المدارس التي تصنع المستقبل عن طريق صياغة عقول هذه الأجيال وهؤلاء الأبطال، فهي في الحقيقة لا تقصر فقط في تربيتهم التربية الإسلامية التي تؤهلهم كي يكونوا جنوداً لدين الله تبارك وتعالى، ولكي يحملوا الرسالة التي حملها أجدادهم وآباؤهم، وإنما تقوم بالعكس، تقوم بدور تخريبي لإفساد فطرة الأبناء عن طريق المناهج المسمومة، ومن ذلك ما يحصل من بذر بذور الشك في الدين والإيمان، والطعن في الإسلام، وتحطيم حاجز الولاء والبراء بين المسلمين والكافرين، ونسف أخلاق الإسلام نسفاً، وزرع الأفكار العلمانية والأفكار الشركية، ونفخ روح النعرات الإقليمية -خصوصاً الوطنية منها- كالنعرة الفرعونية، وغير ذلك من النعرات، وكذلك تهوين المعاصي على الأبناء.
فنشاهد أن مناهج التعليم تقوم أساساً بدور تخريبي هدام، وكان حرياً بمن شاركوا في فتح هذا الشر المستطير وأعلنوا المؤامرة على التعليم، كان الأولى -لو أن هذه الأمة بقي فيها حياة وغيرة على دينها- أن يحاكموا محاكمة مجرمي الحرب بتهمة الخيانة العظمى؛ لأنهم يدمرون الدين في نفوس الأجيال، ويقتلون الرابطة بينهم وبين دينهم، ويريدون أن يخرجوا أجيالاً تكره الله وتكره رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، فكان أولى من أن يصعد أحدهم إلى منصب أعلى أن يحاكم بتهمة الخيانة العظمى لله ولرسوله وللمؤمنين، ولن نستطرد، وأذكر مثلاً واحداً على موضوع المؤامرة على التعليم والمناهج التعليمية التي يدرسها الآن أبناؤنا: فهناك كتاب (قواعد اللغة العربية للصف الثالث الإعدادي) وهو تابع لوزارة التربية والتعليم بمصر، وفي هذا الكتاب فقرة يقرؤها الطلاب والطالبات، ويطلب منهم استخراج بعض الأحكام النحوية واللغوية منها، هذه الفقرة مقتبسة من كتاب (إلى ولدي) لـ أحمد أمين، يقول فيها: قال الأب لأحد أصدقائه متحسراً على الماضي: رحم الله زماناً كان فيه الأب آمر الأسرة وناهيها، فلا راد لقوله، ولا مناهض لرأيه، ينادي فإذا كل من في البيت يتسابقون إلى ندائه، تحدثه الزوجة ويحدثه الابن في إذلال، أما البنت فتحدثه وهي غاضة طرفها من الحياء.
فأجابه ذلك الصديق قائلاً: إن أبناءك خلقوا لزمان غير زمانك، لقد نشأت في جو الخيل والطاعة والتقليد، ونشئوا في جو الحرية والتطور والتجديد، فأنت ابن الماضي، وهم رجال المستقبل! هذا أنموذج عابر؛ لأنه ليس من صلب موضوعنا الآن حتى نكثر ذكر الأمثلة، لكن الشاهد أن أبناءنا يربون على العقوق، على التمرد على الأبوين، على التحرر من سلطان الدين، على إفساد هذه الفطرة التي يودعها الله تبارك وتعالى أمانة في أعناق الآباء وأعناق هذه الأمة.
فهذا مما يجسد أهمية حماية الأجيال والأبناء من هذه اللوثة العقائدية الخطيرة.
وبعض المناهج في بعض البلاد الإسلامية لا توجد فيها أصلاً مقررات دينية، أو بعضها الآخر قد يقدم للطلاب مقررات تعليمية دينية، لكن بعد أن يحصل لها عملية تحريف وتبديل، وتسخير الدين من أجل خدمة قيم هذه النظم وأهدافها.
وحينما نتأمل واقعنا اليوم فنحن نجزم أن كل انحراف موجود فينا إنما منشؤه البعد عن هذه التربية الإسلامية، وأن هذا الانحراف لا يمكن تصحيحه إلا بالتربية الإسلامية، مصداق ذلك في قوله تبارك وتعالى: {ِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنفُسِهِمْ} [الرعد:١١].
إن لم نتدارك خطورة مناهج التعليم فسيخرج من أصلابنا ملاحدة، هذه المناهج تخرج أناساً لا علاقة لهم بالدين، فإن لم يستدرك المسلمون والدعاة إلى الله سبحانه وتعالى والأمهات بشكل خاص ثم الآباء هذه الأشياء فإننا على خطر عظيم، وهو أن يخرج من أصلابنا ملاحدة وزنادقة يبغضون الله ورسوله، ويصير الإسلام أشد غربة مما هو عليه الآن، فواجب البيت إزاء هذا الخطر هو في شكل من أشكاله وقائي، وفي الشكل الآخر هو علاجي فالوقائي قبل الالتحاق بالمدرسة، يأتي دور البيت في التربية قبل أن يلتحق الطفل بالمدرسة.
والعلاجي حيث يجب أن يطعم في البيت كما نفعل في تطعيم الأطفال ضد الأمراض والأوبئة، كذلك ينبغي أن يقوم البيت بإعطاء مضادات لهذه السموم التي تعطى لأبنائنا، والتي يتجرعها في المدرسة.
إن تربية الأطفال التربية الوقائية والعلاجية بجانب تربيتهم على القيم الإسلامية التي يستقونها من الأسرة تعين على أن يتغلب على كثير من هذه العقبات.
ثم أيضاً يجب التحذير من قرناء السوء، وقبل ذلك على الرجل إذا أراد أن يتزوج أن يسأل عن العائلة، فيقول: ما شأن عائلتها؟ كيف عائلتها؟ هل هم أناس طيبون؟ ولا ينبغي أن يسأل عن المال ولا الحسب، لكن يسأل عن دور العائلة في الأخلاق والآداب والتربية.
فعلى أي الأحوال إذا استمر الأمر على هذا الإهمال الموجود في الخلية الأولى التي هي الأسرة والأطفال فنخشى أن يخرج من أصلاب المؤمنين ملاحدة، كهؤلاء الملاحدة الذين يخرجون الآن ويعملون معاولهم في عقول الأمة، في الإعلام، وفي الصحافة، وفيما يسمى بالأدب وغير ذلك، فهؤلاء يحملون أسماء إسلامية، وآباؤهم كانوا مسلمين، لكنهم حرموا من هذه التربية، وربوا على أعين أعداء الإسلام، فخرجوا أعداء لله ورسوله والمؤمنين.
ولقد وصل أمر إهمال الدين في التعليم إلى حد أن خريج الجامعة في الغالب لا يتقن قراءة القرآن، وقد يلحن في فاتحة الكتاب إن كان يصلي، علاوة على جهله بالوضوء وبالصلاة والفرائض المتعينة عليه، لماذا؟ لأنه حرم من هذا التعليم.
ومعلوم أنه إذا لم يتعلمه في البيت أو المدرسة فإنه يخرج بهذه الصورة الشوهاء.