[ذكر بعض آداب الاستجمار والاستنجاء]
يقول الإمام ابن قدامة رحمه الله تعالى: وإذا زاد على الثلاث استحب ألا يقطع إلا على وتر؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (من استجمر فليوتر) فإن حصل الإنقاء بوتر لم تستحب الزيادة، لكن إذا حصل الإنقاء بشفع استحبت الزيادة فيستجمر بخمس أو سبع أو تسع أو ما زاد على ذلك، فإن اقتصر على وتر منقية فيما زاد على الثلاثة جاز؛ لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن لا فلا حرج).
ويقول الإمام النووي رحمه الله تعالى: قال أصحابنا: لو أن إنساناً بال ومسح الموضع مرتين أو ثلاثاً، ثم خرجت قطرة وجب استئناف المسح أي: إذا حصل بعد المسح بالاثنين مرتين أو ثلاث خروج شيء جديد فإنه يعيد المسح من جديد ولا يبني على ما مضى.
ومن هذه الآداب ألا يستجمر بيمينه؛ لقول سلمان رضي الله عنه: (إنه لينهانا أن يستنجي أحدنا بيمينه) وسلمان صحابي معروف، وترجمته من التراجم المهمة جداً؛ لأنه أنموذج كامل للباحث عن الحق.
لو قرأتم قصة إسلامه لوجدتم كيف ينبغي لكل من سأل عن الإسلام أن يتحرى ويبذل الجهد حتى يصل إلى الحق، وأنه إذا أخلص في ذلك فإن الله يوفقه مهما كان أمامه من عقبات، وسلمان أصله فارسي من أصبهان، وهو مولى النبي صلى الله عليه وسلم، توفي بالمدائن سنة (٣٦هـ) وعمر سلمان عمراً طويلاً جداً، فالمتفق عليه بين المؤرخين أنه عاش مائتين وخمسين سنة، وقيل: ثلاثمائة وخمسين سنة رضي الله تبارك وتعالى عنه.
وعن أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها أنها قالت: (كانت يد رسول الله صلى الله عليه وسلم اليمنى لطهوره وطعامه، وكانت يده اليسرى لخلائه وما كان من أذى) رواه أحمد وأبو داود بإسناد صححه النووي رحمه الله.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: (إنما أنا لكم بمنزلة الوالد -وقال فيه-: ولا يستطب بيمينه) فهذه من الآداب التي علمها عليه الصلاة والسلام أصحابه.
وعن أبي قتادة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إذا أتى أحدكم الخلاء فلا يمس ذكره بيمينه، ولا يتمسح بيمينه) متفق عليه.
أي: إذا كان يستنجي من غائط أخذ الحجر بشماله فمسح به، وإن كان يستنجي من البول وكان الحجر كبيراً أخذ ذكره بشماله فمسح به.
مسألة: لو أن رجلاً استنجى بيمينه هل يجزئه ذلك؟ يجزئه، لكنه خالف الأدب الشرعي، يقول علماء الشافعية: يكره الاستنجاء باليمين كراهة تنزيه ولا يحرم.
قال إمام الحرمين: الاستنجاء باليمين مكروه غير محرم، قال: وحرمه أهل الظاهر.
وقال ابن الصباغ وآخرون: الاستنجاء باليسار أدب، وليس باليمين معصية.
وقال الشافعي كما حكاه المزني في مختصره: النهي عن اليمين أدب، لكن لو حصل ووقع أنه خالف فقد ارتكب مكروهاً كراهة تنزيهية، ولكن قد يصح الاستنجاء.
ومختصر المزني له مكانة عظيمة عند العلماء فقد قال فيه بعضهم: لم تراعيني ولم تسمع أذني أحسن نظماً من كتاب المزني.
يقول الإمام ابن قدامة: يبدأ الرجل في الاستنجاء بالقبل؛ لئلا تتلوث يده إذا شرع في الدبر، والمرأة مخيرة في البداية بأيهما شاءت.
والظاهر عدم التفريق، والله أعلم.
مسألة: لو أن رجلاً تغوط وقبل أن يستنجي قام، هل تجزئه الأحجار؟ لا تجزئه؛ لأنها تعدت المحل غير المعتاد، فلابد من استعمال الماء في هذه الحالة.
ومن الآداب الشرعية في هذا الباب: أنه إذا استنجى بالماء يستحب له أن يدلك يده بالتراب بعدما يفرغ.
يقول الإمام النووي رحمه الله: السنة أن يدلك يده بالأرض بعد غسل الدبر، ذكره البغوي والروياني وآخرون، كما في حديث ميمونة رضي الله عنها قالت: (وضعت رسول الله صلى الله عليه وسلم وضوءاً للجنابة، فأكفأ بيمينه على شماله مرتين أو ثلاثاًَ، ثم غسل فرجه، ثم ضرب بيده الأرض أو الحائط مرتين أو ثلاثاً) متفق عليه.
وفي رواية مسلم: (ثم أفرغ على فرجه وغسله بشماله، ثم ضرب بشماله الأرض فدلكها دلكاً شديداً)، وهذا في الغسل.
وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أتى الخلاء أتيته بماء فاستنجى، ثم مسح يده على الأرض، ثم أتيته بإناء آخر فتوضأ) وهذا حديث حسن.
وعن جرير بن عبد الله رضي الله عنه: (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل الغيضة فقضى حاجته ثم استنجى من إداوة ومسح يده بالتراب) رواه النسائي وابن ماجة بإسناد جيد.
وهذا نوع من التنظيف ويجزئ عنه ما في معناه من الصابون أو غير ذلك.
الاستنجاء من البول يسمى انتقاص الماء، والانتقاص معناه: أن الإنسان إذا استبرأ من البول واستنجى بالماء؛ فإن ذلك يقطع نزول البول، فحينئذٍ يقال: إن الماء يقطع البول؛ ولذلك سمي الاستنجاء انتقاص الماء.
ويستحب بعد الفراغ من الاستنجاء بالماء أن ينضح على فرجه وسراويله؛ ليزيل الوسواس عنه؛ لأن هذا النضح يحدث بللاً، فإذا وجد البلل فإنه لا يفتح الباب للشيطان ليوسوس، وهذا باب خطير جداً إذا استرسل معه الإنسان، فحينما يتذكر أنه عمداً نضح سراويله بالماء فإنه يذهب عنه ذلك الوسواس.
يقول حنبل: سألت أحمد: أتوضأ وأستبرئ وأجد في نفسي أني قد أحدثت بعده؟ قال: إذا توضأت فاستبرئ، ثم خذ كفاً من ماء فرشه على فرجك ولا تلتفت إليه، فإنه يذهب إن شاء الله.
فالإنسان لا يتساهل في باب الوسواس؛ لأنه لو فتحه فسدت عليه عبادته.
روى النووي عن أبي هريرة رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (جاءني جبريل فقال: يا محمد! إذا توضأت فانتضح) وهذا حديث غريب، لكن قد ثبت الانتضاح في حديث صحيح.