القسم الأول: الفعلية والتركية، وهذا على أساس الفعل والترك، فالإنسان يمكن أن يترك بعض الأشياء المباحة التي أباحها الله له، فإن كانت علة الترك معتبرة شرعاً فلا حرج في ذلك، فمثلاً: يترك طعاماً معيناً لأنه يضر بصحته، أو إنسان يقلل الطعام حتى لا تطغى عليه الشهوة فيصير إلى العبث، أو: إنسان يترك ما لا بأس به حذراً مما به بأس، كنوع من التورع عن الوقوع في الشبهات استبراءً لدينه وعرضه، كل هذه الأنواع من الترك الذي لا حرج فيه؛ لأن العلة في الترك معتبرة في الشرع، أما شخص يترك شيئاً مباحاً جائزاً فعله باعتقاد أنه قربة إلى الله سبحانه وتعالى فهذا هو الابتداع في الدين؛ لأن الترك هنا بهذا القصد يصيره معارضة للشرع في التحليل الذي أحله الله سبحانه وتعالى.
مثلاً: الصوفية يقولون: من وصل إلى رتبة اليقين فلا تطلب منه الصلاة والصيام ولا يحرم عليه شيء؛ لأنه وصل، فلا يحتاج لصلاة ولا لزكاة.
وربما استهزءوا بمن يصلي ويصوم ويزكي ويفعل العبادات، فهم يغيرون تفسير قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] ويقولون: المقصود الوصول إلى مرتبة اليقين.
وليس كذلك، بل المقصود باليقين هنا الموت، كما في الآية الأخرى:{حَتَّى أَتَانَا الْيَقِينُ}[المدثر:٤٧] أي: الموت.
فاليقين هنا المقصود به الموت، فالله سبحانه وتعالى لم يجعل لعمل المؤمن أجلاً دون الموت، ولهذا قيل للنبي عليه الصلاة والسلام:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩] أي: إلى آخر لحظة من حياتك.
وقال عيسى عليه السلام:{وَجَعَلَنِي مُبَارَكًا أَيْنَ مَا كُنتُ وَأَوْصَانِي بِالصَّلاةِ وَالزَّكَاةِ مَا دُمْتُ حَيًّا}[مريم:٣١]، فهذا هو معنى قوله تعالى:{وَاعْبُدْ رَبَّكَ حَتَّى يَأْتِيَكَ الْيَقِينُ}[الحجر:٩٩]، أما هؤلاء فيتركون الواجبات الشرعية تديناً بذلك، وهذه أيضاً من البدع التركية؛ لأن فيها ترك المطلوبات الشرعية.