[احتواء التمثيل على الكذب وقول الزور]
من أصول التمثيل: الكذب وقول الزور.
يقول الله عز وجل: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لا يُؤْمِنُونَ بِآيَاتِ اللَّهِ} [النحل:١٠٥] فإن قيل: إن هذا الكذب هو مزاح! أي: هو أناس يضحكون على بعضهم، فالممثل يضحك على الناس ويعرف أنهم يعرفون الذي يضحك عليه، فالمسألة خداع وكذب من الطرفين، فالممثل عارف أنه يضحك على الناس، والناس تعرف أنه يضحك عليهم، وهؤلاء يدفعون فلوساً له، ويشجعونه على هذا الكذب وهذا الفجور.
والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (أنا زعيم ببيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) سواء كان مزاحاً أو كان جداً فإنه يطلق عليه الكذب، وروى أبو داود وغيره من حديث عبد الله بن عامر قال: (دعتني أمي يوماً -أي: وهو صغير- ورسول الله صلى الله عليه وسلم قاعد في بيتنا، فقالت: تعال لأعطيك، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم: ما أردت أن تعطيه؟ قالت: أردت أن أعطيه تمراً، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم: أما أنك لو لم تعطه شيئاً كتبت عليك كذبة) حتى مع الطفل الصغير الإنسان يراعي ألا يكذب عليه في وعد أو في غيره، وقد ورد الترغيب في ترك الكذب كما سبق في الحديث: (أنا زعيم بيت في وسط الجنة لمن ترك الكذب وإن كان مازحاً) فهذا من التعبد بالتروك؛ أن تتعبد بترك الكذب ابتغاء هذا الثوب العظيم.
وقد أشار النبي صلى الله عليه وسلم إلى ظهور التمثيل في آخر الزمان وسماه كذباً، فروى الإمام أحمد في المسند برجال الصحيح من حديث أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن) وفي بعض الأحاديث عن أبي سليمان خالد بن الوليد رضي الله عنه وفيها ذكر انتشار الفتن ثم قال: (حتى ينظر المؤمن من حوله من كل الجهات فلا يجد شبراً من الأرض لم تقع فيه هذه الفتنة)، وهذا موجود فعلاً، فلا يجد الإنسان الآن شبراً من الأرض لا يسمع فيه أحياناً صوت الغناء والموسيقى، فهذا تلفزيون من هنا، وهذا جاء بالفيديو من هنا، وهؤلاء يغنون من هنا، وهؤلاء يعملون فرحاً من هنا، فتجد أصوات الغناء ما تركت مكاناً إلا دخلته، فنسأل الله العافية! وفي الحديث الآخر: (لا تقوم الساعة حتى تظهر الفتن، ويكثر الكذب، وتتقارب الأسواق، ويتقارب الزمان، ويكثر الهرج.
قلت: وما الهرج؟ قال: القتل) فحمل بعض العلماء قوله صلى الله عليه وسلم في هذا الحديث: (ويكثر الكذب) على الأفلام والمسرحيات وكل هذه الفتن.
ومما يقع بسبب التمثيل أن كل المنكرات إن كانت متعلقة بالممثلين فالذي هو عاكف على هذه الأفلام ومقر لها يشاركهم في الوزر، فمن يجلس أمام هؤلاء الفاسقين فرحاً ومنبسطاً ومستمتعاً ومستلذاً بهذا الفساد وهذا الفجور فهو مشارك لهم في الوزر؛ لأن الواجب أن المنكر تحاربه، فأزله أو زل عنه، أما أنك تجلس مع ناس يشربون خمر وتقول: أنا أنكرت عليهم وأنت قاعد معهم قادر على هجرتهم والانصراف عنهم فأنت وهم في الوزر سواء، لكن يعذر الإنسان عندما يزيل المنكر أو يزول عنه بقدر استطاعته.
ومن المنكرات التي تقع -أيضاً- الحلف، فيحلفون على أشياء كذباً.
وأيضاً: ليس هذا التمثيل من الأمور التي جوز الشرع أن تكذب فيها، فالرسول صلى الله عليه وسلم أباح الكذب في ثلاث: في الحرب مع الأعداء في الجهاد، وفي حديث الرجل لامرأته، فيمدح -مثلاً- طعامها أو هيئتها أو شيئاً تفعله تألفاً لها، وفي الإصلاح بين الناس، فلم يكذب الذي ينمي بين الناس فيقول لأحد المتخاصمين: والله فلان ذكرك بخير، ويحبك ويعزك، وهو نادم على ما فعله في حقك، ويذهب إلى الآخر فيقول له كذلك؛ ليصلح بينهما، فليس بكاذب، فهذه هي الاستثناءات الثلاث في حكم الكذب.
فهل التمثيل كذب؟ كلهم متفقون على أنه كذب، لكن هل هو من الكذب الذي استثني وأبيح؟! إذاً: هذا من الأدلة التي يصلح الاستدلال به على الزجر عن هذا النوع من الكذب.
أما قول بعض الناس: إنهم يقصدون بالتمثيل إظهار عظمة الإسلام ومجد المسلمين الأولين فهذا لا يغني عنهم شيئاً، فأغلب الأفلام الدينية يكون فيها تصوير حالة الجاهلية، فيتمادون في وصف الفسق والرقص والفساد والعري والتبرج وغير ذلك من حالات الجاهلية.
فهذا لا يغني شيئاً؛ إذ عظمة الإسلام تظهر بنشر محاسنه وتعاليمه، وطبع المؤلفات النافعة فيه، لا بإقامة رواية تمثيلية بين جداران أحد دور الملاهي أو الجمعيات يقصد أغلب من يحضرها التسلية لا غير، هذا أولاً.
ثانياً: إن المسلمين الأولين لم يكونوا يحبون الإعلان عن أنفسهم وأعمالهم؛ لأنهم كانوا يخلصون العمل لله لا يريدون غيره، فإظهارهم على خشبة المسرح ينافي غرضهم ويباين مقصودهم.
ثالثاً: لو كانت هذه الحجة تجيز التمثيل، ولو أن المبرر هذا معقول بأننا نظهر أمجاد هؤلاء الصالحين فإنا لو أخذنا بهذه الغاية -بغض النظر عن الوسيلة أياً كانت- فإن هذا سيقال في وضع القبور -مثلاً- في المساجد، فسيقال: نتذكر الصالحين ونزورهم، وكذلك التماثيل التي تصنع وتوضع في الميادين وإن كانت -والحمد لله- لا تصنع للصالحين، فالتماثيل هذه أصلاً لا يجوز نصبها في الميادين، ولا يجوز النظر إليها كما ذكر ذلك بعض علماء الشافعية، وكذلك من المالكية الإمام الدردير المالكي قال: ما يحرم صناعته يحرم النظر إليه، فهذه التماثيل حرمت صناعتها فلا يحل لك أن تنظر إليها.