[الترغيب في النكاح]
فتح الإسلام أبواب الحلال على مصارعها، وقضى على أي عقبة تعترض النكاح بكل قوة، فرغب الإسلام في الزواج المشروع وحث عليه، وبين أنه من سنن الهدى، وجادة الإسلام، ونهت الشريعة عن التبتل والرهبانية، وأنها مولود مبتدع في الملة النصرانية، وشدد الله النكير على فعلتها، فليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، ولا يحل لأي إنسان أن يستحسن العزوبة بأي عذر، فإنه يقع حينئذ تحت قوله صلى الله عليه وسلم: (ومن رغب عن سنتي فليس مني).
ومعروف حديث الثلاثة الرهط الذين أتوا إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم، وقال عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى)، فمن أحد المقاصد الأساسية للشريعة الإسلامية تكثير نسل المسلمين.
فبعض المضلين يستدلون ببعض الحالات الفردية أو بعض الأحاديث الواردة في إباحة العزل على إباحة استئصال النسل المسلم والتآمر عليه، فهناك فرق بين دراسة الحالات الفردية كرخص طبقاً لظروف شخصية لبعض الناس، وبين أن الدولة تتبنى سياسة تنافي وتضاد مقاصد الشريعة الإسلامية، فلا تحل المناداة برفع شعار يتعارض مع المقاصد العليا للشريعة الإسلامية، وقد ذكرنا أن من مقاصد الشريعة الإسلامية العليا حفظ العرض عن طريق هذه الوسائل التي نذكرها.
فالمقصود: أن الترغيب في النكاح أصل مقطوع به من دين الإسلام، يقول عليه الصلاة والسلام: (تزوجوا فإني مكاثر بكم الأمم، ولا تكونوا كرهبانية النصارى).
قال طاوس رحمه الله: لا يتم نسك الشاب حتى يتزوج، أي: لا يحل للواحد أن يقول: أنا اشتغل بالتعبد ويترك الزواج.
وقال لـ إبراهيم بن إبراهيم بن ميسرة: تزوج أو لأقولن لك ما قال عمر بن الخطاب رضي الله عنه لـ أبي الزوائد: لا يمنعك من النكاح إلا عجز أو فجور.
فالتعبد لا يمنع من النكاح، قال المروزي: قال أبو عبد الله -يعني الإمام أحمد بن حنبل -: ليست العزوبة من أمر الإسلام في شيء، تزوج النبي صلى الله عليه وسلم أربع عشرة، ومات عن تسع، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يصبح وما عندهم شيء من الفقر، وكان يختار النكاح ويحث عليه، ونهى عن التبتل، فمن رغب عن سنة النبي صلى الله عليه وسلم فهو على غير الحق.
وتزوج يعقوب في حزنه وولد له، والنبي صلى الله عليه وسلم قال: (حبب إلي من دنياكم النساء).
وقال الإمام أحمد: لبكاء الصبي بين يدي أبيه يطلب منه خبزاً أفضل من كذا وكذا.
يعني: حتى لو كان فقيراً؛ لأن الله يحب أن يكثر نسل المسلمين الذين يشهدون له بالتوحيد، فما يدريك لعله أن يخرج منهم من ينقذ الله به الأمة! ويقول الإمام أحمد: أنى يلحق المتعبد المتزوج! وعن عثمان بن خليل أن شداد بن أوس قال: زوجوني، فإن رسول الله صلى الله عليه وسلم أوصاني ألا ألقى الله عزباً.
وقال ابن مسعود: لو لم يبق من أجلي سوى عشرة أيام، أعلم أني أموت بعدهن، ولي طول النكاح فيهن؛ لتزوجت مخافة الفتنة.
ففقهاء الإسلام يقررون أن النكاح سنة مؤكدة، والبعض يقول بالوجوب؛ أخذاً من قوله عليه الصلاة والسلام: (يا معشر الشباب! من استطاع منكم الباءة فليتزوج، فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج، ومن لم يستطع فعليه بالصوم، فإنه له وجاء).
وأرشد الإسلام إلى الصيام كشيء بديل؛ لأنه مما يعين على غض البصر، وفي القرآن إشارة إلى هذا في قوله سبحانه وتعالى: {وَالصَّائِمِينَ وَالصَّائِمَاتِ} [الأحزاب:٣٥] ثم عقب بقوله: {وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ} [الأحزاب:٣٥] لأن الصيام يعين على هذا الأمر، يقول بعض العلماء: لو سأل سائل فقال: إني رجل مستطيع النكاح ولا أخاف على نفسي الحرام لو لم أتزوج، وأريد أن أظل عزباً ليكفيني أقل مال وعمل لكسب معيشتي، وسأشغل وقتي كله بالعبادات من صلاة وصوم وذكر وقرآن إلى آخره؛ لقال العلماء لهذا الرجل: الزواج مع أداء العبادات المفروضة والسنن الراتبة أفضل.
ولكي يزيد الإسلام فتح في باب الحلال كتدبير إيجابي لسد باب الفتنة؛ رخص لمن لم يقدر على نكاح الحرائر أن ينكح الإماء، وأمر المسلمين بالتعاون على تزويج عزابهم من نساء ورجال حتى لا يبقى في القرية أو الحي عزب تخشى فتنته، والدليل قوله تعالى: {وَأَنكِحُوا الأَيَامَى مِنْكُمْ وَالصَّالِحِينَ مِنْ عِبَادِكُمْ وَإِمَائِكُمْ إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٢]، والأيامى: جمع أيم، وهو من ليس له زوج من رجل أو امرأة، قال ابن مسعود: التمسوا الغنى في النكاح، ثم تلا هذه الآية: ((إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ)).
وقال عمر: عجبي ممن لا يطلب الغنى في النكاح، وقد قال الله تعالى: ((إِنْ يَكُونُوا فُقَرَاءَ يُغْنِهِمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ))! وقد بين هذا وشرحه قول النبي صلى الله عليه وسلم: (حق على الله عون من نكح التماس العفاف عما حرم الله)، وقال عليه الصلاة والسلام: (ثلاثة حق على الله تعالى عونهم: المجاهد في سبيل الله، والمكاتب الذي يريد الأداء، والناكح الذي يريد العفاف).