فإن كان في إيمانه ضعف فإنه ضعف حب الله تعالى فيه، ويقوي حب الدنيا في قلبه ويستولي عليه، بحيث لا يبقى فيه موضع لحب الله تعالى، إلا من حيث حديث النفس بحيث لا يظهر له أثره في مخالفة النفس، ولا يؤثر في الكف عن المعاصي، ولا في الحث على الطاعات، فينهمك في الشهوات وارتكاب السيئات، فتتراكم ظلمات الذنوب على القلب، فلا تزال تطفئ ما فيه من نور الإيمان مع ضعفه، فإذا جاءت سكرات الموت يزداد حب الله ضعفاً في قلبه، لما يرى أنه يفارق الدنيا وهي محبوبة له، وحبه إياها غالب عليه، لا يريد تركها ويتألم من فراقها، ويرى ذلك من الله تعالى، فيُخشى أن يحصل في باطنه بغض لله تعالى بدل الحب! فهو يكره أن يفارق الدنيا، والإنسان يكره مفارقة محبوبه، فإذا أقبل على الله وهو لا يحب الله، ففي هذه الحالة يغلب عليه ما أحبه من الدنيا، فيخشى عليه أنه إذا أيقن بلقاء الله يبغض الله، وفي الحديث:(من أحب لقاء الله أحب الله لقاءه، ومن أبغض لقاء الله أبغض الله لقاءه).
فإذا خرجت روحه في هذه الحالة الخطرة فقد ختم له بالسوء، وهلك هلاكاً مؤبداً.
والسبب في هذا هو حب الدنيا والركون إليها مع ضعف الإيمان الموجب لضعف حب الله تبارك وتعالى، فإذا خرجت روحه في تلك الحالة يكون قلبه ملتفتاً إلى الدنيا، ووجهه مصروفاً إليها، ويحصل بينه وبين ربه حجاب.
حكي أن سليمان بن عبد الملك لما دخل المدينة حاجاً قال: هل بها رجل أدرك عدة من الصحابة؟ قالوا: نعم، أبو حازم.
فأرسلوا إليه، فلما أتاه قال: يا أبا حازم! ما لنا نكره الموت؟ قال: إنكم عمرتم الدنيا وخربتم الآخرة؛ فتكرهون الخروج من العمران إلى الخراب.
قال: صدقت.
ثم قال: ليت شعري ما لنا عند الله تعالى؟ قال: اعرض عملك على كتاب الله.
قال: فأين أجده؟ قال: في قوله تعالى: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ * وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}[الانفطار:١٣ - ١٤]، قال: فأين رحمة الله؟ قال:{قَرِيبٌ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[الأعراف:٥٦].
قال: يا ليت شعري كيف العرض على الله غداً؟ قال: أما المحسن فكالغائب الذي يقدم على أهله، وأما المسيء فكالآبق يقدم على مولاه -أي: كالعبد الهارب عندما يقدم على مولاه-، فبكى سليمان حتى علا صوته واشتد بكاؤه، ثم قال: أوصني.
قال: إياك أن يراك الله تعالى حيث نهاك أو يفقدك حيث أمرك.