[تحريم الاختلاط]
أعظم وسائل الإسلام في تجفيف منابع هذه الفتنة تحريم الاختلاط، والاختلاط هو: اجتماع الرجل بالمرأة التي ليست بمحرم له اجتماعاً يؤدي إلى ريبة، أو هو اجتماع الرجال بالنساء غير المحارم في مكان واحد يمكنهم فيه الاتصال فيما بينهم بالنظر، أو الإشارة أو الكلام أو البدن من غير حائل أو مانع يدفع الريبة والفساد.
أقوى دليل على تحريم الاختلاط قول الله عز وجل: {وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الأُولَى} [الأحزاب:٣٣]، وإذا رجعنا إلى كتب التفسير، لننظر ما يذكره المفسرون عن تبرج الجاهلية الأولى، نجد أن الجاهلية الأولى تستحي مما عليه الجاهلية الأخيرة الآن، ففي تفسير الآية يقولون: كانت المرأة تخرج فتمشي بين أيدي الرجال، أو تخرج وقد غطت رأسها وأظهرت نحرها، فهذا هو تبرج الجاهلية الأولى، فماذا نقول عن تبرج الجاهلية الأخرى ولا حول ولا قوة إلا بالله! ويقول الله عز وجل: {وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا} [الأحزاب:٥٣] يعني فتوى، أو طعاماً، أو صدقة {فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ} ثم علل الحكم فقال: {ذَلِكُمْ} يعني: الحجاب، أو السؤال من وراء حجاب {أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ} [الأحزاب:٥٣] ثم يأتي بعض الناس الذين لم يشموا رائحة الفقه، ويقولون: إن هذه خاصة بأمهات المؤمنين.
سبحان الله! إذا كان الخطاب موجهاً لأمهات المؤمنين اللاتي هن محرمات علينا، وموجهاً لجيل الصحابة الذين هم خير أمة أخرجت للناس، وعلل الحكم بأن ذلك الحجاب والكلام من وراء حجاب أطهر لقلوبكم وقلوبهن، فكيف نقول في رجال ونساء هذا الزمان! يقول النبي عليه الصلاة والسلام (المرأة عورة، فإذا خرجت استشرفها الشيطان، وأقرب ما تكون من رحمة ربها وهي في قعر بيتها).
وعن أبي أسيد مالك بن ربيعة رضي الله عنه أنه سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم وهو خارج من المسجد وقد اختلط الرجال مع النساء بالطريق، فقال لهن: (استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق) أي: ليس لكن أن تمشين في حاق الطريق وهو وسط الطريق.
الآن الرجال لكي يتقوا شر النساء يمشون على الرصيف، ويتقون بالجدران! النبي عليه الصلاة والسلام يقول: (استأخرن فليس لكن أن تحققن الطريق، عليكن بحافات الطريق) فكانت المرأة تلصق بالجدار حتى إن ثوبها ليتعلق بالجدار من لصوقها به، أي من شدة الحرص على عدم المخالطة أوقات الخروج من المسجد.
وقد جعل النبي عليه الصلاة والسلام في المسجد باباً خاصاً بالنساء لا يشاركهن ولا يخالطهن فيه الرجال، عن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لو تركنا هذا الباب للنساء) قال نافع: فلم يدخل منه ابن عمر حتى مات، وكان عمر بن الخطاب ينهى أن يدخل المسجد من باب النساء.
وقد شرع الرسول عليه الصلاة والسلام للمصلين ألا يخرجوا فور التسليم من الصلاة إذا كان في الصفوف الأخيرة بالمسجد نساء حتى يخرجن.
قال أبو داود: باب انصراف النساء قبل الرجال من الصلاة.
عن أم سلمة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سلم مكث قليلاً، وكانوا يرون أن ذلك كيما ينفذ النساء قبل الرجال).
وجاءت أم حميد الساعدية إلى الرسول صلى الله عليه وسلم فقالت: (يا رسول الله! إني أحب الصلاة معك، قال: قد علمت أنك تحبين الصلاة معي، وصلاتك في بيتك خير لك من صلاتك في حجرتك، وصلاتك في حجرتك خير لك من صلاتك في دارك، وصلاتك في دارك خير لك من صلاتك في مسجد قومك، وصلاتك في مسجد قومك خير لك من صلاتك في مسجدي) أي: المسجد النبوي، ومعروف فضيلة الصلاة في المسجد النبوي.
وقال عليه الصلاة والسلام: (لا تمنعوا النساء أن يخرجن إلى المساجد، وبيوتهن خير لهن).
وقال عليه الصلاة والسلام: (خير صفوف الرجال أولها، وشرها آخرها، وخير صفوف النساء آخرها، وشرها أولها)، وهذا في حالة العبادة والبعد عن الشيطان، فما بالك بما خالف ذلك! كانت عائشة رضي الله عنها تطوف حذرة، أي تطوف حول الكعبة بالليل حتى لا تخالط الرجال، فقالت امرأة: انطلقي نستلم يا أم المؤمنين! فقالت: انطلقي أنت، وأبت، وكن يخرجن متنكرات بالليل فيطفن مع الرجال، ولكنهن كن إذا دخلن البيت قمن، أي: إذا أراد نساء المؤمنين أن يدخلن الكعبة وقفن على بابها حتى يخرج الرجال، ثم تدخل النساء.
ودخلت على عائشة رضي الله عنها مولاة لها فقالت لها: يا أم المؤمنين! طفت بالبيت سبعاً، واستلمت الركن مرتين أو ثلاثاً، فقالت لها عائشة رضي الله عنها: لا آجرك الله، لا آجرك الله، تدافعين الرجال، ألا كبرت ومررت! ومن أجل ذلك تجد الشرع حث على صلاة الجمعة، ولكن ليست واجبة على النساء، وجعل جهادهن هو الحج المبرور، ولما أرادت فاطمة بنت قيس أن تعتد في بيت أم سليم، قال لها النبي صلى الله عليه وسلم: (تلك امرأة يغشاها أصحابي، اعتدي عند ابن أم مكتوم؛ فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك ولا يراك).
كل هذه الإجراءات تبين لنا أن روح الشريعة يرفض تماماً انفتاح النساء على الرجال واختلاطهن بهم بهذه الصورة المزرية.