أما عفيرة العابدة -وهي أيضاً من مشاهير العابدات- فكانت رحمها الله لا تضع جنبها على الأرض في الليل، وتقول: أخاف أن أؤخذ على غرة وأنا نائمة، وكانت لا تمل من البكاء، فقيل لها: أما تسأمين من كثرة البكاء؟ فقالت: كيف يسأم إنسان مِنْ دوائه وشفائه؟! وكانت تقول في مناجاتها: عصيتك بكل جارحة مني على حدتها، والله لئن أعنت لأطيعنك ما استطعت بكل جارحة عصيتك بها.
وجاء أخ لها طالت غيبته، فبشرت به فبكت، فقيل لها: ما هذا البكاء؟! اليوم يوم فرح وسرورا فازدادت بكاء، ثم قالت: والله لا أجد للسرور في قلبي مسكناً مع ذكر الآخرة، ولقد ذكرني قدومه يوم القدوم على الله فمن بين مسرور ومكدور.
ودخل عليها قوم فقالوا: ادعي لنا.
فقالت: لو خرص الخطاءون ما تكلمت عجوزكم، ولكن المحسن أمر المسيء بالدعاء، جعل الله قراكم من نبق الجنة، وجعل الموت مني ومنكم على بال، وحفظ علينا الإيمان إلى الممات، وهو أرحم الراحمين.
وقالت أيضاً: ربما اشتهيت أن أنام فلا أقدر عليه، وكيف يقدر على النوم من لا ينام عنه حافظاه ليلاً ونهاراً؟!