[البدعة الكلية والجزئية]
وهناك تقسيم آخر للبدعة وهو: البدعة الكلية والبدعة الجزئية.
فالبدعة الكلية: هي البدعة التي يكون الخلل الناشئ عنها كلياً في الشريعة، وتتعدى محلها، وتنتظم غيرها حتى تكون أصلاً لها، كأن تكون البدعة عبارة عن قانون أو قاعدة نتحاكم إليها، فبالتالي يترتب على هذا التحاكم كثير جداً من المخالفات.
ومن البدع الكلية: بدعة إنكار الأخبار النبوية مطلقاً، والإقرار بالقرآن الكريم فقط، وهؤلاء يقال لهم: قرآنيون، فهل هذه البدعة متعلقة بمخالفة في قضية واحدة أم أنها قاعدة كلية نتحاكم إليها؟ بل هي قاعدة يتحكم بها في الشرع، وتلغى بها سنة الرسول عليه الصلاة والسلام، فهذه بدعة كلية.
ومنها: بدعة عدم الأخذ بأخبار الآحاد، فهي بدعة كلية يترتب عليها مئات المخالفات الشرعية، بسبب إنكار الأحاديث النبوية.
ومنها: بدعة إنكار القسم الثالث من السنة، وهو الذي يستقل بتشريع لم يرد في القرآن، فهذه بدعة كلية وليست جزئية، ووجه كون هذه البدعة كلية أنها تشمل ما لا حصر له من فروع الشريعة، ولأن عامة التكاليف مبني عليها.
فالأمر يرد على المكلف إما من الكتاب وإما من سنة النبي صلى الله عليه وسلم، فإذا قلنا: إن كان وارداً في السنة فأكثر السنة آحاد، والأحاديث المتواترة قليلة جداً، وكذلك أحكام السنة التي وردت في القرآن قليلة، وأكثرها زائدة على ما في القرآن.
فهذا هو الابتداع بعينه أن يتخذ الشخص مثل هذه القواعد الكلية، ويضل بها في مئات الأحكام الشرعية.
ومن البدع الكلية: بدعة الخوارج في قولهم: لا حكم إلا لله، وهذه العبارة دليلهم في رفض التحكيم، بناءً على أن اللفظ عام لم يلحقه التخصيص، وهم قد أعرضوا عن قوله تعالى: {فَابْعَثُوا حَكَمًا مِنْ أَهْلِهِ وَحَكَمًا مِنْ أَهْلِهَا} [النساء:٣٥]، وقوله تعالى: {وَمَنْ قَتَلَهُ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِنْكُمْ} [المائدة:٩٥]، فلم يراعوا أن العام هنا يكون مخصوصاً.
أما البدعة الجزئية: فهي البدعة التي يكون ضررها جزئياً في بعض الفروع دون بعض، ولا تتعدى محلها، ولا تنتظم غيرها حتى تكون بدعة كلية.
ومن البدع الجزئية بدعة التغني بالقرآن، وبدعة التلحين في الأذان، فهذه بدعة جزئية؛ لأن ضررها جزئي في موضوع الأذان فقط، ولا تتعدى محلها، ولا تدخل مثلاً في الصلاة، ولا تنتظم غيرها حتى تكون أصلاً لها، فمن هنا كانت جزئية.
ومنها: الامتناع عن تناول ما أحل الله من الطعام أو الشراب، فهذه بدعة جزئية.